كيف تحولت السياسة إلى مباراة يقف فيها فريقان، أحدهما يلعب والثانى يتفرج وليس حتى على دكة الاحتياطى، بينما الأمر يخص الجميع، لا فرق هنا بين من هم فى السلطة ومن هم خارجها، وربما يمكن الخلاف حول ما تم إنجازه من برنامج الـ100 يوم، بين من يرى أنه لم يحقق شيئا، ومن يرى أنه حقق معجزات، لكن الأهم فى هذا كله أن تنتهى المائة يوم وقد خرجنا من تعقيدات المرحلة الانتقالية التى تشبه صحراء ومتاهة إلى بداية الطريق المستقيم، وقد رصدنا بالأمس كيف تحول خطاب الرئيس فى الاستاد إلى مباراة لشخص واحد يشجعه جمهور واحد، ومثل هذه المباريات تفتقد إلى التشويق وقد تدفع إلى الملل.
لقد بدا الرئيس مشغولا بالرد على منتقديه، أكثر من الانشغال بالتعبير عن نفسه، وانشغل مستشاروه ومبرروه بمدح خطابه وشفافيته ووضوحه وصراحته، وطبيعى أن يبرروا لأنهم من أشاروا ومن كتبوا ومن سجلوا، وعليهم يقع عبء غياب فكرة المصالحة والدعوة للمشاركة، فقد جاء خطاب الرئيس مزدحما بالأرقام والإحصاءات، التى لا تجيب على الأسئلة بقدر ما تبرر الوضع القائم، ويمكن تقبل أعذار الرئيس فى قوله إن البرنامج لم يتحقق فى كل المجالات، وحدد نسبا بين 40 و%70 للنجاح، وهى نسب لا بأس بها فى ظل واقع معقد ومشكلات متراكمة ومزمنة، لكن الأهم كان أن يعلن الرئيس استراتيجية وخططا واضحة لبرنامج السنوات الأربع، والقضايا الأهم، كالصحة والتعليم والفقر والعشوائيات، وهى قضايا لم يتطرق لها الرئيس، وكان من الممكن بدلا من الانشغال بالرد على منتقدى الأيام المائة أو يكون هناك خطط لسنوات قادمة، وتصورات للنظام الاقتصادى والاجتماعى، مع تصور للخطط السياسية، وكيف يمكن إجراء مصالحة عامة توظف القدرات السياسية للبلاد وتخرجها من حالة الاستقطاب والاحتقان والغضب.
كان المتوقع من الرئيس أن يقدم تصورا لمؤسسة الرئاسة بعيدا عن مستشارى ترضية الخواطر، أو العمل بطريقة الهواة، مصر دولة كبرى، وتحتاج إلى مؤسسة للرئاسة تمتلك تصورا للتعامل مع العالم بتعقيداته وشبكات المصالح.
والأهم هو أن الفساد لا يكفى معه أن يتحدث الرئيس عن حالات بعينها من الفساد وتصقيع الأراضى، بل عليه أن يقدم تصورا لأسباب الفساد ومظاهره، واستراتيجية للقضاء عليه ومكافحته وإنهائه، وإلغاء جميع الأنظمة التى تسمح بنمو وتشعب الفساد.
سوف نتجاوز الجدل حول الأيام المائة، وننتقل إلى القضايا الأهم، نحن لسنا فى مباراة فيها فائز وخاسر، ولا فى حرب بها مهزوم ومنتصر، فلو كانت حربا فإن الرابح فيها مهزوم.
وعليه فإن المنتظر من مؤسسة الرئاسة أن تتجاوز سباق المائة يوم إلى سباق يشارك فيه الشعب أكثر، وهنا يأتى دور السياسة، التى يمكنها أن تصلح أو تفسد كل شىء، لقد ماتت السياسة من عقود وأهم إنجاز سيكون إعادة إحيائها.