نصر السادس من أكتوبر يعد فى نظرى من أهم روافد الإسلام والدين والتضحية فى السبعينيات وإحياء الموات فى الشعب المصرى من جديد، وهو الذى ضخ فى شرايين مصر من جديد روح العزيمة وحب الشهادة فى سبيل الله والبذل والفداء وحب الأوطان والأمل فى غد أفضل بعد أن كادت هذه المعانى أن تندثر. والمتأمل لتاريخ مصر الحديث لن يجد فى أيامها أياما أجمل من هذه الأيام وأفضل منها، فقد مرت أيام الحرب كلها دون أن تسجل محاضر الشرطة جريمة سرقة واحدة فى ربوع مصر كلها ولم تسجل محاضرها مشكلة أو خناقة أو حادثا تعدى بين مصريين فى طول البلاد وعرضها، وهذا لم يحدث فى تاريخها سوى أيام معدودة فى ثورة 25 يناير، وكنت لا تسمع فى الراديو أو التليفزيون إلا قصص البطولات والتضحيات العظيمة وقصص الشهداء وآيات الجهاد والحث على البذل والعطاء.. وسبحان الله حينما تسمع فى أجهزة الإعلام عن الدعوة للجهاد فى سبيل الله والحث على مقاتلة اليهود المغتصبين لبلادنا والمعتدين على أرضنا ومقدساتنا مع عرض لكل الآيات التى تدعو لقتالهم ونزالهم.
كل ذلك فى كفة وسرد قصص الشهداء فى الإذاعة والتليفزيون فى كفة أخرى.. فترى فيها التطبيق العملى وعلى أرض الواقع لهذه الآيات والأحاديث التى تسمعها فتأخذك قشعريرة كلما سمعتها وتحلق روحك فى آفاق بعيدة لتطلب الشهادة فى سبيل الله وترغب فى أن تكون واحدا منهم، واليوم وبعد مرور 40 عاما على نصر أكتوبر تحتفل مصر لأول مرة بالنصر دون إقصاء لأحد.. فنصر أكتوبر ملك للجميع.. صنعه السادات والشاذلى، والجمسى، وأبوغزالة، وعبدالمنعم خليل، ومحمد عبدالقادر حاتم.. صنعه الجندى الصغير والقائد الكبير.. صنعته كل الأسلحة.. صنعه الطيران والمدفعية والمشاة والمدرعات والبحرية والدفاع الجوى.. صنعه الشهداء الذين لم يذكر أحد أسماءهم ولكن الله يعرفهم ويعرف قدرهم، وهو الذى جعل أرواحهم فى أجواف طير خضر «ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها».. ولا يضرهم ألا يعرفهم البشر وألا تكتب عنهم الصحف.
نصر أكتوبر ملك للمشير العظيم الزاهد أحمد إسماعيل الذى كان وقتها قائدا للجيش ووزيرا للحربية فمات بعد الحرب بقليل فلم يذكره أحد ولم يهتم به أحد.. وأهال مبارك التراب عليه رغم أنه لا ينافسه فى شىء من الدنيا.. المشير أحمد إسماعيل الذى عاش ومات زاهدا ولم يغير مسكنه وأثاثه البسيط قط، هذا النصر ملك للفريق عبدالمنعم رياض ذلك العسكرى الفذ الذى نقل العسكرية المصرية من مدرسة الدفاع إلى الهجوم والمبادأة حتى كان يطلق عليه لقب «الجنرال الذهبى»، هذا النصر ملك للواء محمد الفاتح الذى اقتحم جبل المر واللواء عادل يسرى الذى حارب بساق مبتورة 8 ساعات، والذى يحتفظ بها حتى اليوم والمهندس باقى زكى المسيحى صاحب فكرة هدم خط بارليف بمدافع المياه، واللواء الحسينى عبدالسلام الذى أحضر الطلمبات الألمانية التى دمرت الساتر الترابى واللواء مجدى شحاتة الذى قضى 200 يوم خلف خطوط العدو لقطع الإمدادات عنه واللواء نبيل شكرى قائد الصاعقة التى دوخت العدو الصهيونى واللواء تحسين شنن كل هؤلاء شاركوا فى صنع النصر، هذا النصر ملك للفريق فوزى الذى تحمل عبئاً كبيراً فى تجهيز الجيش المصرى للحرب وإعادة تأهيله بعد كامل تدميره فى 5 يونيو 1967م.. فهو الذى أعاد إليه الانضباط العسكرى بعد التسيب الذى ساده قبل كارثة يونيو حتى كان الجندى المصرى يعتبر عبور قناة السويس أسهل من ضبط الشرطة العسكرية له بمخالفة عسكرية.. فلا يقصى الفريق فوزى لخلافة السياسى مع السادات.. لأن التاريخ العسكرى الناصع لا يمحوه الخطأ السياسى حتى وإن كان فادحا، هذا النصر لا يقصى منه أحد حتى حسنى مبارك الذى أقصى الآخرين من نصر أكتوبر لا ينبغى إقصاؤه وعلينا أن نفرق بين حسنى مبارك قائد الطيران وحسنى مبارك الرئيس الفاسد.
لقد قضينا ثلاثين عاماً كاملة فى خصخصة وشخصنة حرب أكتوبر بحيث تكون قاصرة على مبارك وحده مع إقصاء الآخرين جميعا، واليوم يعود نصر أكتوبر للشعب المصرى كله بلا استثناء.. ذلك النصر ملك لكل من ساهم فيه بدءًا من الفريق المسيحى فؤاد عزيز غالى قائد إحدى فرق الجيش الثانى الميدانى الذى أبلى بلاءً حسنا فى حرب أكتوبر وأسر اللواء عساف ياجورى وتدمير مدرعاته.. وانتهاءً بالأم التى ضحت بوليدها فى الحرب.. أو الأب الذى احتسب ابنه شهيدا فى أكتوبر. نصر أكتوبر ملك لكل صانعيه بدءًا من أسد الصاعقة العظيم الشهيد إبراهيم الرفاعى، وانتهاء بأصغر تلاميذه من أمثال ابن خالتى البطل الشهيد مراد سيد.. وكلاهما حاصل على نجمة سيناء أرفع وسام عسكرى مصرى، نصر أكتوبر عاد لأصحابه مرة أخرى فقد عاد لشعب السويس البطل وعلى رأسه الشيخ «حافظ سلامة» رمز الصمود الشعبى فى عملية تحرير السويس إلى الفرقة 19 بقيادة الفريق عفيفى والفرقة 7 بقيادة البطل العظيم المشير أحمد بدوى الذى قاد العسكرية المصرية بعد ذلك.
كفانا خصخصة وكفانا شخصنة.. إنها معركة أمة بأكلمها.. ضحت وعانت وبذلت وتحملت.. لقد أقصى أهل سيناء الأبطال من ملحمة العبور العظيم، بل إن أهل سيناء جميعاً تم إقصاؤهم من المعادلة المصرية بعد التحرير.. مما اضطر بعضهم فى النهاية إلى الولوج فى فكر التكفير أو فى تجارة المخدرات.. أو فى التهريب.. سيناء اليوم تحتاج إلى عبور ثان.. عبور جديد بالاحتضان والائتلاف والتنمية والحب والدعوة والعلم.. سيناء اليوم لا تحتاج إلى مسكنات.
السادات يحتاج اليوم إلى إعادة اعتبار واعتذار من الحركة الإسلامية التى قتلته بعد أن أعطاها وأعطى الدعوة الإسلامية قبلة الحياة بعد أن أشرفت على الموت الإكلينيكى فى الستينيات، يحق لمصر اليوم أن تعيد مرة أخرى ذكرى وأغانى ومشاعر وهمة وتآخى وتواد وتراحم وعزمات أكتوبر من جديد.. هل نتعلمها اليوم مجددا.. أم ماذا؟!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة