> فى الحج يبتعد الحاج عن الجدال السياسى والمالى، لكن مهما ابتعد الشخص عنها فهى تطارده، وتدفعه للمقارنة بين الفكرة والواقع. الحج هو استعادة لرسالة الإسلام، من إبراهيم أبى الأنبياء عليه الصلاة والسلام، حتى محمد خاتم المرسلين عليه الصلاة والسلام، فريضة يقوم فيها المسلم بكل فرائض الإسلام، من دون ضجيج ولا جدال ولا أطماع.
أمام الكعبة يقف الحاج حيث كان إبراهيم أبو الأنبياء عليه الصلاة والسلام بعد رحلته من الشك إلى اليقين، ودعا ربه أن يجعل أفئدة الناس تهوى إلى ذريته التى أسكنهم بواد مقفر خال من الزرع. أمام البيت الحرام يتهافت الناس إلى البيت ويستعيدون رحلة أبى الأنبياء وأسرته وحيرة السيدة هاجر فى الصحراء بحثا عن الماء، حتى تتفجر زمزم تحت أصابع إسماعيل، ويتكرر الاختبار عندما يتلقى إبراهيم أمرا بذبح ابنه ويخضع إسماعيل، حتى يفديه الله بهدى.
> ثم يأتى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم برسالته ويبلغ الوحى داعيا إلى الله الواحد، فى الحج يتجسد الإسلام نقيا مسالما قويا، من دون ضجيج ولا صراعات، وقوة محمد فى رسالته ولسانه والقرآن. تهوى أفئدة المسلمين من كل بقاع الأرض إلى هذه البقعة من الأرض البقعة المكرمة، ويتهافت المسلمون بلا بهرج ولا مظهر ولا ضجيج، إلى القبلة التى يتوجه لها مئات الملايين من البشر يحملون فكرة واحدة، تختفى المذاهب والمجادلات والرغبات والغرائز والمطامع، لا فرق بين مذهب وآخر، الحج يجمع كل المسلمين فى هيئة واحدة بأقل الملابس وأبسط المظاهر، لا يمكن التفرقة بين غنى وفقير أو حاكم ومحكوم أبيض أو أحمر أو أسود.
يتجمع المسلمون ويتوحدون، لكن ما يحدث الآن خارج هذا السياق نرى المدعين والطامعين ممن يسعون إلى خلط مطامعهم فى مظهر الإسلام من دون جوهره.
> كان الإسلام واحدا، وقسمته السياسة والسلطة والأطماع إلى مذاهب وأشكال وألوان، هى السياسة أو الإمامة التى قسمت المسلمين، إلى فرق وملل ونحل، كل منهم يريد السلطة لنفسه دون غيره، ويزعم أنه ممثل الإسلام الوحيد، ومنهم من لا يتجاوز الإيمان حلقه، ومنهم من لا يحمل غير حنجرة تصرخ وتشتم وتلعن.
> هناك قول منسوب لمؤلف كتاب الإمامة والسياسة «لم ترق دماء فى تاريخ الإسلام مثلما أريقت على طريق الإمامة»، أى أن السياسة والسلطة هى التى فرقت الناس، وعندما وقف معاوية بن أبى سفيان فى الكوفة وقال لأهلها: «يا أهل الكوفة: أترانى قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج، وقد علمت أنكم تصلون وتزكون وتحجون؟ لكنى قاتلتكم لأتأمر عليكم وعلى رقابكم، وقد آتانى الله ذلك وأنتم كارهون».
> نقول هذا بمناسبة ما يجرى الآن، الإسلام واحد، لكن البشر مختلفون، ولا يفترض أن ننخدع بمن يخفون مطامعهم فى خطاب العقيدة، وهم يطلبون السلطة، والدنيا، وحتى لو نجحوا فى خداع الناس زمنا لن ينجحوا دائما، والإسلام أكبر من هؤلاء المتسلطين.