إميل سيوران «1911 - 1995» رومانى يكتب بالفرنسية، اختار شكل الكتابة المقطعية والاعتراف والحكمة المختزلة، وأعلن أنه ضد الفلاسفة وضد المفكرين الذين ينطلقون من الاقتباس والاستشهاد، ترجم له محمد على اليوسفى «لو كان آدم سعيدا» «دار أزمنة» عبارة عن شذرات مدببة وشجية يحملها الشعر وتضرب فى مناطق إنسانية غائمة، أمام الفلسفة والفكر يختار الشعر والموسيقى، حيث يرى الشاعر شخصاً ماكراً يمكنه أن يتبرم دون داع، وأن يسكن الحيرة، وقد يطلب المزيد منها مهما كانت الوسائل، فيما بعد، تأتى أجيال ساذجة وتشفق عليه، ويرى أنه لولا هيمنة المفهوم لحلت الموسيقى محل الفلسفة، ولكان فى ذلك فردوس الوضوح، الدقيق فى التعبير، وباء من النشوة المتنقلة، لأن الموسيقى ملجأ الأرواح التى جرحتها السعادة، أنت أمام متصوف دنيوى يؤمن أن مع فكرة تولد فينا يتعفن شىء فينا، وأنه لا يقاوم العالم ولكنه يقاوم قوة أكبر، هى التعب من العالم، وأن الجنون لا يبلغه إلا الثرثارون والصموتون: «هؤلاء المفرغون من كل لغز وأولئك الذين خزنوا من الألغاز الكثير»، ويرى الجنون أيضاً «مجرد حزن كف عن التطاول»، سيوران الذى قرر رفض كل أنواع الجوائز، والذى عاش معظم عمره فى الفنادق قال فى حوار معه «بقيت مجهولاً تماماً طيلة ثلاثين عاماً، وكانت كتبى لا تباع قط، لقد تقبلت ذلك الوضع جيداً، لأنه يناسب رؤيتى للأشياء.. الأعوام الوحيدة الجيدة فى حياتى هى تلك التى عشتها مجهولاً، أن تكون مجهولاً ففى ذلك لذة.. مع جوانب من المرارة أحياناً، لكنها حالة خارقة» يقول فى إحدى شذراته «كلما أحاطت بنا المصائب، جعلتنا تافهين أكثر حتى مساعينا تتغير، تدعونا المصائب إلى التبجح، تخنق فينا الشخص كى توقظ الشخصية».
سيوران الذى راجت أعماله بعد وفاته ينصحك إذا أردت أن تتعرف على بلد ما، أن تعايش كتابة الذين من الدرجة الثانية، لأنهم وحدهم يعكسون طبيعته الحقيقية، أما الآخرون فإنهم إما يشهرون بضحالة مواطنيهم أو يشوهونهم «لا يريدون ولا يستطيعون أن يكونوا فى مستوى واحد معهم، إنهم شهود مشبوهون»، ومن كتابه «بحث فى الفكر الرجعى» يقدم توصيفاً للثورة يلائم أيامنا «تصير الثورة محافظة على طريقتها الخاصة، فلا تقاتل من أجل الماضى، بل تقاتل دفاعاً عن الحاضر، ولا شىء يساعدها على ذلك أفضل من اتباع الطرق والأساليب التى مارسها النظام السابق عليهم للمحافظة على ديمومته»، ويؤمن بأنه لا توجد حالة ثورية حقاً إلا حالة ما قبل الثورة، عندما ينخرط الناس فى العبادة المزدوجة للمستقبل وللهدم.
سيوران اختار الشذرات أو الكتابة المقطعية لأنها ملائمة لمزاجه وتمثل كبرياء اللحظة بكل تناقضاتها، ويرى أن عملاً ذا نفس طويل، وخاضعاً لمتطلبات البناء ومزيفاً بهاجس التتابع، هو عمل من الإفراط فى التماسك بحيث لا يمكن أن يكون حقيقياً.