لا أحد يعرف بالضبط متى وأين وكيف بدأت تلك الظاهرة.. منذ أكثر من عشرة أعوام انتشرت فى مصر ورقة مجهولة الهوية تحكى عن الشيخ أحمد إمام الحرم النبوى الذى رأى الرسول صلى الله عليه وسلم فى المنام وتبادل معه الحديث، وليس هذا أهم ما فى الورقة، لأن الأهم كان فى الجزء الأخير الذى شدد فيه كاتب الورقة على ضرورة توزيعها 35 مرة -لست أدرى لماذا 35 بالذات- لكن ما يعنينا هو كم التهديد والوعيد والويل الذى ينتظر من سيهمل الورقة ويتعامل معها بتجاهل، وسرد بالطبع أمثلة عن الخير الذى أصبح فيه من وزعوها 35 مرة، والغم والفقر الذى انتاب من تجاهلوها حتى إن أحدهم مات، دون أن تذكر الورقة شيئا عن خاتمته، كانت سعيدة أم لا.
أعترف بأننى فى غمرة حماس المراهقة اعتبرت ورقة شبيهة نوعا من الجهاد فى حب رسول الله، واستسلمت لهاجس التخاذل عن نصرته وأملا فى أن يأتينى فى المنام ليشكرنى على هذا الجهد الرائع، فأخذت أكتب هذه الورقة بيدى 11 مرة، ووزعتها على أقاربى وأصدقائى، أرجو من الله أن يسامحنى على هذا، وبعدها بقليل وقعت فى يدى ورقة أخى برواية مختلفة، رفضت أن أوزعها، هذه المرة كان الفضول فى تجربة الضرر الغامض دافعا وراء تجاهلى لها وإصرارى على وضعها فى جيبى دون أن أوزعها، لحسن الحظ لم يحدث شىء.
الجمعة الماضى فوجئت بصبيين صغيرين يقفان على باب المسجد ويوزعان نفس الورقة التى بطلها الشيخ أحمد، هذه المرة بنسخة جديدة ومنقحة، ضمت الحديث عن حادث مأساوى تعرض له الرسام الدنماركى صاحب الرسوم المسيئة -رغم أن الورقة تم توزيعها قبل هذه الرسوم بسنوات لكن، من حبك الكذبة أراد هذا- وكان عنوانها «حبيبى يا سول الله»، وتفاجأت ببعض الناس يأخذون ما فى الورقة بجدية ويقومون بتصويرها وتوزيعها وتعليقها على جدران المساجد والمحال، منهم أيضا من يعرف أنها جهل و«نصب» من النوع الرخيص، لكنهم تمسكوا بأنها لن تضر وربما تفيد، أحدهم كانت حالته المادية سيئة، وخاف من تدهور الوضع، وراجيا تحسنه، وآخر توفى والده من قريب فدفعه الحزن لتصديق الخرافة، طالب ضعف أمام الترهيب واختلط مع خوفه من امتحانات نصف العام.
الجاهل هنا إذن ليس من وزع الورقة أو ساعد على نشرها، فكثير من البسطاء دفعهم اليأس أو الأمل لتصديق ما فيها، لكن الجاهل والضال والمضل هو ذاك الذى أعاد إحياءها وتوزيعها على الناس، مستغلا لغطا قريبا حول إساءة فيلم ساذج للرسول الكريم، ومتخفيا فى مناخ يغلب عليه التلاسن الدينى، لكنه لا يعلم أنه يؤذى الرسول فى أمته.. نصيحتان لك عزيزى القارئ، الأولى ألا تستسلم لخرافة لا يقبلها عقلك ومنطقك.. ولا تترك إيمانك لمأفون يشكل فيه كيفما يشاء.