كرم جبر

رايحين على فين؟

الثلاثاء، 13 نوفمبر 2012 08:44 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إذا كان التشخيص السليم للمرض، هو نصف الشفاء، فلن يتعافى الاقتصاد المصرى إلا إذا وضعنا أيدينا على الأسباب الحقيقية للتدهور، الذى أدى إلى ارتفاع العجز فى الموازنة العامة للدولة إلى قرابة 170 مليار جنيه، فأصبحت مصر مثل الموظف الفقير الذى يبلغ دخله 390 جنيه، بينما إنفاقه 550 جنيهًا، ويلجأ إلى سد العجز بالسلف والدين، وإذا لم ينجح فى سد الفجوة ووقف النزيف وتحقيق التوازن بين الموارد والإنفاق، فسوف يغرق فى بحر الأزمات والديون دون أن يكون فى مقدور أحد أن ينقذه.

طوق النجاة للاقتصاد المصرى فى عودة الاستثمارات العربية والأجنبية، ولن يتحقق ذلك إلا تحت مظلة سياسية رئاسية تطرق الأبواب شرقاً وغرباً، وتعيد الثقة والدفء للدول الأكثر استثمارا فى مصر، وهى السعودية والكويت والإمارات عربيا، وألمانيا وإنجلترا وفرنسا وإيطاليا وروسيا أوروبيا، بجانب الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا المحور الثلاثى هو مخزون الثروة فى العالم، ولن يأتى إلينا مستثمر واحد، إلا إذا حصل على ضوء سياسى أخضر بالذهاب إلى مصر.

الاستثمارات العربية والأجنبية وصلت الآن إلى صفر، والأكثر سوءًا أن الاستثمارات المصرية فى الخارج تبلغ مليارى دولار، فأصبحت العملية مثل نقل الدم فى الاتجاه العكسى، نتيجة لذلك ضربت البطالة رقماً قياسياً ووصلت إلى 13٪، وفقدت خزانة الدولة مورداً سيادياً مهما يتمثل فى الضرائب، التى تحصلها من عوائد تلك الاستثمارات، وانخفض مستوى الجدارة الائتمانية للاقتصاد المصرى بصورة تؤدى إلى إحجام مؤسسات التمويل الدولية عن تقديم قروض وتسهيلات ائتمانية، وتراجع معدل النمو المستهدف إلى 2٪، بما يعنى مزيدًا من الانكماش والأزمات الخانقة.

المستثمرون لن يعودوا إلى مصر بالبرامج الدعائية والنوايا الطيبة، ولكن لابد من إعادة تهيئة الأجواء لاستعادة الأمن والثقة والهدوء، ولتأخذ القوى السياسية هدنة مؤقتة من المليونيات، التى تعود بالبلاد دائما إلى نقطة الصفر، وأن تبادر الحكومة فوراً بالإعلان عن خارطة طريق لتهدئة الاحتجاجات والمطالب الفئوية والعودة إلى العمل والإنتاج، فمن هو المستثمر المغامر، الذى يجازف بأمواله وسط هذه الأجواء المضطربة والعمال الذين يقطعون الطرق ويوقفون المصانع ويحاصرون أصحاب العمل، حتى وإن كانت مطالبهم عادلة، فوسائل التعبير عنها يُلحق بالعمل والإنتاج أبلغ الضرر.

المستثمرون لن يعودوا إلا إذا احترمت مصر اتفاقاتها وتعهداتها الدولية، وأوقفت ماكينة الأحكام القضائية، التى تصدر فى غير صالح المستثمرين العرب والأجانب، فليس ذنبهم أنهم تعاقدوا مع فاسدين ومنحرفين، فهؤلاء يأخذون جزائهم العادل، دون أن تخسر البلاد سمعتها فى الأوساط الاقتصادية العالمية أو أن تُتهم بأنها لا تحمى الاستثمارات على أراضيها، فالحكم ضد مستثمر سعودى أو إماراتى لايؤدى فقط إلى هروبه من مصر، بل إلى عزوف المستثمرين من مختلف الجنسيات عن ضخ استثمارات جديدة، والمسألة مثل نظرية الأوانى المستطرقة، التى تملأ الأنابيب المختلفة الأحجام والشكال بنفس نوع السوائل، الذى تصبه فيها.

المستثمرون لن يعودوا إلا إذا حصل الاقتصاد المصرى على شهادة حسن سير وسلوك من هيئات التمويل الدولية، وفى صدارتها الصندوق والبنك الدوليين، ولا أدرى ما الذى يضير مصر إذا حصلت على قرض الصندوق بشروطه الميسرة بعيدا عن الأيديولوجيات السياسية والدينية، بشرط ألا يكون مكبلا بمشروطيات تزيد معاناة الفئات الأكثر احتياجًا، فقد يفتح شهية مستثمرين وجهات تمويل أخرى لضخ مزيد من المشروعات، علاوة على أنه يخفف من عمليات اقتراض الحكومة من الداخل، الذى يقلل إمكانيات البنوك المحلية فى إقراض المستثمرين المصريين.

المهم هو من أين نبدأ.. والبداية الحقيقية- فى رأيى- هى أن نكون رحماء مع بلدنا حتى يكون الآخرين رحماء علينا، وأن تأخذ المطامع الشخصية والأجندات الخاصة إجازة مؤقتة حتى تستعيد البلاد عافيتها وتقف على أرض صلبة، وإذا لم يحدث ذلك فلن يجد الطامعون فى الحصول على جزء من الكعكة شيئاً، وستظل البلاد تدور فى دائرة جهنمية مفرغة وقودها مزيد من العجز فى الموارد وزيادة فى الإنفاق وفجوة.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة