كان يحلم فى طفولته أن يكون شيخاً للأزهر كما كان هذا الحلم يراود الكثير من أبناء جيله الذين أصبحوا اليوم من كبار علماء الأمة.
اليوم أصبح اسم د.يوسف القرضاوى ملء السمع والبصر إماما للأمة لا يعنيه أن يسبق اسمه لقب شيخ الأزهر أو الإمام الأكبر، فالنظرة تختلف بعد أن تصل إلى هذه المكانة والمرحلة من العلم والتعمق فى الدين فتزهد فى المناصب أو الألقاب.
هكذا أيضا كان شعور الإمام الجليل د.أحمد الطيب شيخ الأزهر قبل ساعات من إعلان اسمه شيخاً للأزهر ولا يزال هذا إحساسه بعد تولى المنصب، وهكذا هو إحساس العلامة الجليل د.نصر فريد واصل مفتى الجمهورية الأسبق، الذى لا يزال يرفض ما يعرض عليه من مناصب، وهو أيضا إحساس العلامة الشيخ على جمعة مفتى الجمهورية، الذى أصبح اسمه محلياً وعالمياً أكبر من مجرد مفتى لمصر، هكذا هم العلماء، وإذا وصلوا لهذا القدر من العلم فتصبح أسماؤهم أكبر من كل المناصب، ويصبح دورهم كأئمة للأمة فوق كل لقب على اختلاف آرائهم ومواقفهم.
وحين يعتلى أى منهم منبراً يصبح علامة على هذا المنبر وتصبح كلماته درساً يتعلم منه الجميع ونورا يشع فيضئ طريق الأمة.
ورغم ذلك فلم يدهشنى اعتراض بعض أئمة الأوقاف على الحدث الأول من نوعه، الذى كان يجب يكونوا أكثر الناس فرحاً به، وهو اعتلاء الإمام القرضاوى لمنبر الأزهر الشريف لأول مرة وإلقائه خطبة الجمعة من فوقه.
فإذا عرفنا خلفيات هذه الاعتراضات التى وصل بعضها إلى مستوى غير لائق فى الحديث عن قامة بحجم الشيخ القرضاوى قد يزول جزء من هذه الدهشة، فدعوة الشيخ القرضاوى لإلقاء خطبة الجمعة مرة كل شهر جاءت من وزارة الأوقاف وفى وقت تشتد فيه حدة التصنيف السياسى لكل الأفعال والأقوال والأشخاص ويغلى فيه بركان الغضب فى نفوس الكثير من أئمة الوزارة بعد استبعاد عدد كبير من قياداتها وإسناد وظائفهم لبعض المحسوبين على تيار الإسلام السياسى، فيما وصفه الكثيرون بمحاولة أخونة الوزارة، خاصة أن وزير الأوقاف د.طلعت عفيفى يحسبه البعض منتمياً لهذه التيارات.
وفى ظل الحالة المتردية للائمة ومطالبهم التى لم تتحقق فى كادر ومعيشة لائقة والتنقلات التى حدثت بالوزارة، التى أدت إلى إضراب عدد منهم عن الطعام ولجوئهم للقضاء، ووسط هذه الأجواء تأتى زيارة الشيخ القرضاوى لإلقاء خطبة الجمعة بالأزهر بما هو معروف عن علاقته بجماعة الإخوان المسلمين.
نسى بعض هؤلاء الأئمة مكانة الرجل وعلمه وانتمائه الأول كابن من أبناء الأزهر وعضو هيئة كبار علمائه، وطغت رغبتهم فى إحراج الوزارة والوزير وضرب كرسى فى الكلوب كرد فعل عما يعانونه على صوت العقل والاحترام الواجب لرجل فى مكانة هذا العالم الجليل والرغبة فى الاستفادة من علمه، إضافة إلى أن وزارة الأوقاف طوال تاريخها تعمل تحت مظلة الأزهر وشيخه الذى كان دائماً هو الذى يرشح وزيرها ولكن هذه المرة اتخذ الوزير قراره بدعوة الإمام القرضاوى بعيداً عن مشيخة الأزهر وشيخه الذى لا يخفى الكثير من أبناء الجماعة وبعض التيارات الإسلامية الأخرى اختلافهم وخلافهم معه.
ورغم اختلاف وجهات النظر فى قضايا كثيرة بين د.أحمد الطيب ود.القرضاوى إلا أن هذا لم يمنع من أن تكون المرة الأولى التى يحضر فيها الشيخ القرضاوى مؤتمراً بالأزهر فى عهد النظام السابق بعد تولى الطيب منصب شيخ الأزهر وأن يقف الطيب مهدداً باستقالته حين أرادت مباحث أمن الدولة احتجاز القرضاوى لبضع ساعات حين جاء للمشاركة فى المؤتمر، ومع اعتراضات بعض الأئمة على إلقاء الشيخ القرضاوى لخطبة الجمعة بحجج واهية وغير لائقة والتهديد بمنعه من صعود المنبر جاء تعليق مشيخة الأزهر لتؤكد أنه عالم له مكانة كبيرة فى نفوس شيوخ الازهر متسائلة إذا كان القرضاوى لا يرتقى منبر الأزهر فمن إذن الذى يرتقيه؟ وهو رد الفعل المتوقع من الأزهر وشيخه.
ورغم إن تنظيم شئون المساجد يخضع لوزارة الأوقاف إلا أنه كان من الأولى أن تكون دعوة الشيخ القرضاوى موجهة من الأزهر وشيخه بالتعاون مع وزارة الأوقاف وبما يتناسب مع قدر الشيخ القرضاوى ومكانته ولا يغفل مكانة شيخ الأزهر ودوره، وأعتقد أن د.الطيب لم يكن ليمانع فى توجيه هذه الدعوة لو استشاره فيها وزير الأوقاف، بل لا أستبعد أنه كان سيدخل الأزهر ويده فى يد الشيخ القرضاوى بما يحمل معانِ كثيرة ويمنع ما حدث من ردود أفعال غير لائقة لا تتناسب مع مكانة الشيخ الجليل، وهو ما يستوجب أن تعيد وزارة الأوقاف ووزيرها ترتيب وإدارة أمور كثيرة بما يتناسب مع ما تمر به مصر من فترة عصيبة وحساسة لا تحتمل مزيداً من الفتن.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة