كيف نفهم الآلاف الذين خرجوا يوم الجمعة 9 نوفمبر للمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية، هذه الآلاف فى الواقع تحركت تحت شعار يتفق عليه الجميع للتعبير عما يمكن أن نطلق عليه «فائض الطاقة»، لديها الآلاف التى خرجت من القوى القلقة داخل الحالة الإسلامية تبحث لنفسها عن موطئ قدم فى العملية السياسية وفى الحراك الاجتماعى فهى تشعر بأنها مهمشة سياسيا واجتماعيا، لأن الحزبين الكبيرين داخل الحالة الإسلامية حزب الحرية والعدالة وحزب النور يستحوذان من منظورهما على كل التعبير السياسى للحالة الإسلامية دون تقدير أو اعتبار لوجودهم. لقد نجحت المليونية دون نزول الإخوان والسلفيين، وهو ما يعنى أن تلك القوى القلقة الجديدة التى تبحث لنفسها عن مكان فى العملية السياسية تستطيع أن تحشد وأن تجيش الآلاف وحدها منفردة، ولم يكن هناك شعار يمكن أن يخرج الآلاف من أجله سوى الشعار البسيط «نريد تطبيق شرع الله»، إذن المسألة هى جزء من جدال وصراع سياسى داخل الحالة الإسلامية للبحث عن مكان أو إثبات وجود، وجرى توظيف شعار تطبيق الشريعة لهذا الغرض.
لا نشكك بالطبع فى نوايا من دعا للمليونية، بيد أن المأزق هنا هو أن المهمشين الخارجين من الشعب وكثير منهم تم حشده من الصعيد البائس وقرى الدلتا الفقيرة جاءوا لجمعة تطبيق الشريعة، ظنا منهم أن الشريعة هى عصا سحرية سوف تحل مشاكلهم على الفور، فهى كلمة الله وحكمه، وهى السبيل لتحقيق السعادة الدنيوية والأخروية، وهؤلاء فى الحقيقة جاءوا لحل مشاكل دنيوية فكثير ممن سألهم مراسلو التلفزة عن الأسباب التى جعلتهم يخرجون لجمعة تطبيق الشريعة الإسلامية فكانوا يقولون نحن نريد توفير أنبوبة البوتاجاز ونريد توظيف أبنائنا العاطلين ونريد توفير رغيف الخبز، أى أن من جاء من البسطاء والفقراء والمهمشين إلى جمعة تطبيق الشريعة جاء وهو يريد مطالب حياتية دنيوية، ولأنه قد يئس من أن يتحقق ذلك عبر أجهزة الدولة التى أفقرته طوال سنوات القهر والاستبداد فى عصر مبارك وحتى ما بعد الثورة، فإنه يتعلق بما يرى أنه أمله الأخير فى حياة أفضل تحرره من التهميش والفقر وتحرر أبناءه من البطالة والعوز.
هنا المشكلة فى أنه إذا لم يتحقق حل تلك المشاكل فى حياته فإنه سيظن أن الشريعة هى السبب، كما ظن أن الدولة من قبل وجهازها الإدارى والسياسيين الفاسدين لم يوفروا لهم حياة كريمة فكفر بهم، ولذا فإن الشريعة كمرجعية يجب أن تنفصل عن الجهد والأداء الذى يمثله حاملوها والداعون إليها، بحيث لو لم يتم إنجاز حل مشاكل الفقراء والمهمشين الاقتصادية والاجتماعية والحياتية فإن ذلك راجع إلى غياب التخطيط لدى من دعوا إلى جمعة الشريعة وليس فى الشريعة ذاتها.
مشهد السيولة الذى رأيناه فى جمعة الشريعة يعكس قلقا وتوترا لدى القوى الإسلامية التى تشعر بالتهميش داخل الحالة الإسلامية، والبحث عن قضية تطبيق الشريعة لينتقل هؤلاء إلى أن يكونوا جزءا من المشهد لن يحل مشكلة تهميشهم، وإنما حل مشكلة التهميش لتلك القوى الباحثة عن مكانة ودور يكون بجهد منظم ومؤسسى عبر أحزابهم وحركاتهم للإجابة عن السؤال كيف يمكن أن يتحول شعار «تطبيق الشريعة» إلى واقع فى حياة المصريين البالغة التعقيد، كيف يمكن بناء برامج لتكون الشريعة الإسلامية جزءا من حياة الناس «بحق وحقيق»، إن الإنسان الفرد هو أساس التغيير والمجتمع مجاله والسلطة والدولة انعكاس له، العمل الحقيقى لتطبيق الشريعة يبدأ من النفس ومن الذات ومن المجتمع، ولو كان الخروج إلى مليونية سيحل مشكلة تطبيق الشريعة لكان الأمر سهلا، إن المسألة تحتاج إلى جهد فى العمق من أجل تغيير الإنسان والمجتمع أولا «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة