القواعد والقوانين التى تنظم الإعلام قديمة وبالية، لا تستوعب التطور فى تكنولوجيا الاتصال، والأهم أنها قوانين «تفصيل» لصالح السلطة المستبدة، وضد حرية الإعلام، وكانت تطبق عشوائيا، وبحسب مصلحة نظام مبارك. والغريب أنها بقيت بعد الثورة، ووظفها العسكر والإخوان لصالحهم.
أزمة «دريم» ترتبط بتلك القوانين، وبازدواجية تطبيقها، إضافة لمحاولات بعض القنوات ابتزاز واستغلال حرية الإعلام، وكل ذلك يدخل تحت عنوان الفوضى الإعلامية التى نعيشها، وهى بالمناسبة فوضى موروثة، أى أنها كانت منذ أيام مبارك، واستمرت وتوسعت بعد الثورة، واتخذت أشكالا جديدة. فقناة دريم تمكنت بطريقة غامضة من الحصول على استثناء بالبث من خارج مدينة الإنتاج الإعلامى عبر كابل يربطها بالمدينة، وأظن أن هذا التحايل على القانون كان مقابل دعم غير معلن لنظام مبارك، أو على الأقل عدم التوسع فى معارضته!
المهم استمرت مخالفة دريم، كما استمرت مخالفات أخرى كثيرة، منها السماح بمحطة إذاعة F.M خاصة وحيدة! بينما لم يسمح لغيرها من الإذاعات! ثم حدث تطور تكنولوجى مهم فى البث عبر الأقمار من خلال أجهزة صغيرة محمولة يمكن أن تعمل فى أى مكان، ومن دون حاجة لمدينة الإنتاج الإعلامى. وقد استغلت بعض القنوات الخاصة، والجزيرة مباشر هذه الوضعية الجديدة، وبدأت فى البث من خارج مدينة الإنتاج، وبالمخالفة للقانون القديم الذى صدر عام 1979، أى قبل ظهور البث بالأقمار الصناعية والإنترنت، ولم يتجدد كى يواكب هذه التطورات، وللأسف لم يصدر خلال المرحلة الانتقالية التى قادها العسكر قانون جديد، ولم يفعلها أيضا برلمان ما بعد الثورة.
انطلقت بعض القنوات من خارج مدينة الإنتاج الإعلامى، وتبعتها مكاتب قنوات عربية وأجنبية، وطبعا لم يستطع أحد أن يمنعها، وإلا اتهم فى ظل مناخ ثورى بأنه ضد حرية الإعلام، وهكذا استغلت بعض القنوات مناخ الثورة للتحايل على القانون، لكنه تحايل محبب أو واقعى إذا جاز القول، فالقانون قديم، وقواعد العمل بمدينة الإنتاج بيروقراطية، وتجاوزتها متطلبات صناعة التليفزيون وتكنولوجيا البث، والتى تتيح الآن النقل الفورى للأحداث من مواقع الأحداث فى كل محافظات مصر بتكلفة زهيدة للغاية، إذًا ما الحل لهذه الإشكالية؟
الحل جاء بطريقة متحيزة تفتقر إلى الإفصاح والشفافية «غشومية»، حيث قررت الوزارة منع تجديد الاسثناء الخاص لدريم بالبث من خارج مدينة الإنتاج، وذلك فى إطار دولة القانون ومنع الاستثناءات، لكن الحكومة الذكية لم توضح لنا هل سينطبق ذلك على كل القنوات التى تعمل من خارج مدينة الإنتاج الإعلامى؟، وهل يستثنى القرار الجزيرة مباشر ومكاتب عديد من القنوات العربية والأجنبية التى تبث من خارج مدينة الإنتاج الإعلامى؟. للأسف الحماس الحكومى، وتصريحات وزير الإعلام خلت من توضيح أبعاد القرار، ومدى شموله لكل المخالفين بحيث لا يكون هناك «خيار وفقوس».
بدورها قناة دريم استغلت هذا الوضع وقررت فى مزايدة واضحة التوقف عن البث، واتهام الحكومة بانتهاك حرية الإعلام، رغم أن من حقها تماما العمل من داخل مدينة الإنتاج الإعلامى. وفى الوقت نفسه نقد القرار أو الطعن عليه أمام القضاء، والمطالبة بعدم استعمال معايير مزدوجة فى التعامل مع القنوات الخاصة ومكاتب الفضائيات الأجنبية. هكذا أدت غشومية الحكومة واستخدامها معايير مزدوجة إلى الإساءة لحرية الإعلام، وأتصور أن عليها استصدار قانون جديد ينظم البث عبر الأقمار الصناعية، بحيث يكفل حريته، ويستوعب تطور تكنولوجيا البث، وإمكانية القيام به من خارج مدينة الإنتاج، وفى الوقت نفسه يضمن للدولة حقوقها المادية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة