وائل السمرى

نكبة أسيوط فى ذكرى محمد محمود

الأحد، 18 نوفمبر 2012 12:20 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هذا هو الحال، أصبحنا نعد الكوارث واحدة بعد واحدة، تسأل عن الدماء التى فى العروق، فلا تجد غير الدماء فى الطرقات، تسأل عن المستقبل فى الخطة والموازنة والبرنامج والعقول، فلا تجد المستقبل إلا ميتا بين عجلات القطارات وقضبانها، تتعجب، لماذا يموت أصفى من فينا، ليحيا أبشع ما فينا، فلا تجد إلا العجب العجاب ساكنا فى وزاراتنا، ومصالحنا الحكومية، وقصورنا الرئاسية، فنرفع أكف الضراعة إلى الله، يا الله، يا رحمن يا رحيم، يا أحن من أم، وأحرص من أب، أرأيت كيف اغتالت يد الإهمال أبناءنا وإخوتنا؟ أرأيت كيف انتهكت أرواح أطفالنا الندية، أرأيت كم عانينا وكم نزفنا؟ فإلى من تكلنا يا مولانا؟ وإلى متى يظل الجرح نازفاً، ويظل الوجع ضاغطا ويظل البؤس حارسا، وتظل أرواح الأطفال عند من ملكتهم أمرنا أرخص من مقاعد البرلمان؟

يا إلهى، منذ ما يقرب من أربعين عاما اغتالت يد الصهاينة أبناءنا فى مدرسة بحر البقر، فلم تغمض لنا عين إلا بعد أن أخذنا بثأرهم، ومنذ سنة بالتمام والكمال استشهد فى شارع محمد محمود خمسون شابا، دفاعا عن أهالى شهداء يناير، فانضموا إلى شهداء نوفمبر، وصارت جميع أشهرنا معنونة بأسماء الشهداء، وأسماء أماكن الأحداث، فشاءت إرادتك أن تكسو الدماء مرة أخرى تلك الذكرى الأليمة المبكية، ليستشهد نفس العدد (خمسون) فى نفس الذكرى، فانظر يا إله هذا الكون إلى عبادك الذين يدعون أنهم ممثلو الإسلام وأفعالهم، فبينما باركت جماعة الإخوان إزهاق المجلس العسكرى أرواح خمسين شابا، رغبة منها فى اصطياد مقاعد البرلمان، لم ير الزعيم الإخوانى «عصام العريان» شيئاً فى مذبحة بحر البقر الجديدة على يد الإهمال فى عصر مرسى، سوى سبب لعودة البرلمان من جديد، وكأنهم قد عقدوا اتفاقا مع الشيطان، ألا يعطيهم مناصبهم إلا بعد أن يقدموا له خمسين نفسا ضحية، فإلى متى يا إله العالمين يضحى بنا أخوتنا رغبة منهم فى المقاعد الوثيرة، وإلى متى يظل قناع الزيف على هذه الوجوه المهترئة الممسوخة؟

خمسون طفلا يا رب العالمين، أنت أعلم بهم وبأحلامهم وبألعابهم وأمنياتهم، ذهب الأطفال ليرسموا مستقبلاً حلوا، ففجعناهم بآثامنا، دفعوا ضريبة تخاذلنا عاماً بعد عام، دفعوا ضريبة صراعاتنا وخذلاننا، دفعوا ضريبة براءتهم وعنفوانهم، ليزلزلوا قناعاتنا وأوهامنا، خفافا خفافا.. يصعدون إلى رحابتك بعد أن ضاقت عليهم أغراضنا ودناءاتنا، وإنى أعترف لك يا رب العالمين، نحن أدنى من أن نكون آباء، وأصغر من أن نتحمل مسؤولية تربية الأحلام الصغيرة، فلا تجعل مصير هؤلاء الأطفال معلقاً بأيدينا القذرة.

عجزت الأقلام وجفت الأعين، وآه من وجع الأمهات، ثم آه من وجع الأمهات، وآه ثم آه من دعاء أم فجعت فى كبدها، أشعر باللهيب يتقافز من قلوبهن ليحرق وجوهنا الباهتة، لا أستطيع أن أنظر فى عين أم متخيلة، جاءوا لها بأشلاء طفلها فى قلب ورقة مقطوعة من كراسته الملطخة بالدماء، لا أستطيع أن أنظر إلى عين طفل متخيل، يرفع يده طالبا النجدة، فلا يجد إلا قضبان القطار الساخنة تحت يده الناعمة، لا أستطيع أن أتخيل شعور طفل كان يهتف بالأمس غضبا من أجل أطفال غزة، ليلاقى اليوم مذبحة أكثر شراسة مما شاهده على شاشات التليفزيون، ولا أعرف الآن لمن نقدم العزاء، ومن سنقدمه إلى المحاكمة، وإلى من نوجه اللوم، فكلنا ملومون، وكلنا جناة، وكلنا ضحايا، والأولى بنا أن نقدم الاعتذار إلى شهداء محمد محمود الأبرار، فلو كنا تبعناهم لما فجعنا فى أبنائنا فى ذكرى رحيلهم، ولا كنا وقعنا فى «بحر البقر» من المسؤولين.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة