أنا وأنت وجميع أقاربنا ومعارفنا وجيراننا لا نساوى شيئا فى هذا الوطن، وتلك هى الحقيقة الواضحة الغائبة، واضحة لأننا نراها كل يوم، وغائبة لأننا نفاجأ بها كل يوم، نحن جناة ومجنى علينا، نحن قتلة وضحايا، نحن حزانى وسعداء، والأغرب من كل هذه التناقضات هو أننا نعيشها كلها دفعة واحدة، لا نشعر بأننا نناقض أنفسنا ونناقض أبسط قواعد المنطق، ثم نأتى بعد كل هذا لنفاجأ كما لو كانت مصائبنا وليدة اللحظة وليست من صنع أيدينا!
الحقيقة الأكبر فى مصيبة اغتيال البراءة التى وقعت فى أسيوط أمس الأول هى أن الحادث لم يكن مفاجأة، ولكننا تفاجأنا به فقط لفجاعته، ففى نفس اليوم مات عشرات آخرون فى حوادث متفرقة، كان من الممكن أن يكون هؤلاء الموتى «أطفالا» أو «عجائز» أو «حجاجا» أو حاملى أى صفة أخرى من ذلك النوع الذى يشعرنا بفداحة المصيبة، والمفاجأة التى ليست مفاجأة أيضا هى أن تلك الحوادث تقع يوميا فى مسلسل نزيف الحياة الذى نعيشه رغما عنا والذى نسأل عنه جميعا من غير أن ننقص من مسؤولية الحكومة أو الرئيس شيئا.
بعد مرور ساعات من هذه المصيبة وزوال الصدمة الأولى بدأت فى سؤال نفسى: هل وقوع الحادثة كان مفاجأة أم أن عدم وقوعها هو المفاجأة؟ فوجدت أن القاعدة فى مصر هى الكوارث، وأن الاستثناء هو السلامة، ذلك لأننا نفتقد –متعمدين– فضيلة احترام القانون من أكبرنا إلى أصغرنا، كما نفتقد فضيلة «الضمير» وفضيلة «الانتماء» وما نتيجة افتقاد هذه الفضائل سوى أن نعيش يوميا فى هذه الكوارث المتعاقبة، والتى لن نتخلص منها إلا بإخلاص فى البناء وإرادة فى التنفيذ وتلاحم فكرى ووطنى خالص، وهنا تأتى مسؤولية الحاكم وسياسته.
ستقول لى مثلما قيل فى هذه الحادثة –بصدق أو بغرض– وما ذنب رئيس الجمهورية فى تلك الحادثة؟ وهل الرئيس مسؤول عن خطأ الموظف الصغير؟ وهل يتحمل الرئيس الذى لم يمكث فى قصر الرئاسة سوى بضعة أشهر مسؤولية فساد قائم من عقود؟ وما إلى ذلك من أسئلة جرت على ألسنة البسطاء من إخوتنا أو الحلفاء من مناصرى مرسى –ظالما أو مظلوما– ودعنى أقل لك إننى برغم خلافى السياسى والفكرى مع «مرسى» لا أحمله بالطبع مسؤولية فساد العقود السابقة، وأننى لم أكن أنتظر أن تصبح مصر جنة بين يوم وليلة، وأنى بالطبع أيضا لا أحمل الرئيس مسؤولية أخطاء الموظفين الصغار، لكنى مع إيمانى التام بكل هذا لا أقدر أن أعفى مرسى من مسؤوليته عن تلك المأساة، لأنه رغم معرفته بكل ما نعانيه من عشوائية وتخبط لم يبذل أى جهد من أجل الإصلاح، وبدلا من أن يرسى القواعد العادلة فى كل المصالح الحكومية مطهرا إياها من الفساد ومتبنيا سياسات شفافة تبرز «الأفضل» حافظ على إرث الفساد القديم وأصبح معياره فى تولى الوظائف الحكومية هو الانتماء للجماعة أو لفكرها أو حتى نفاقه هو وجماعته حتى وإن كان المنافق «من فلول النظام السابق».
من أجل هذا أحمل الرئيس مرسى مسؤولية كارثة أمس الأول، وأبشركم بكوارث أخرى من هذا القبيل، فما دامت مصر عزبة لحاكمها، ومادام الرجل المناسب ليس فى المكان المناسب، ومادمنا نفتقد التخطيط للمستقبل بالطرق العلمية، ومادام الشعب رضى بعدم محاسبة الرئيس على إخفاقه فى خطة المائة يوم، ومادام كل شىء بقى على حاله، فالقادم حتما أسوأ إذا بقى الوضع على ما هو عليه.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة