كتبت مقالا هنا بعد أن تولى الدكتور مرسى حكم البلاد، أن المشكلة الكبرى التى ستواجهها مصر ليس الاختلاف حول الدستور، وليس نقص الموارد، وليس التبعية لأمريكا كاملة وليس وليس وليس من القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لكن هى تصور بعض الناس ممن يسمون أنفسهم مسلمين أو سلفيين أن الدولة قد دانت لهم ومن حقهم أن يتصرفوا باعتبار كل منهم هو الدكتور مرسى حاكم البلاد. كان ذلك أيضا بسبب ما جرى فى السويس من اعتداء على طالب كلية الهندسة من ثلاثة من السلفيين الشباب الذين رأوا أن جلوسه أو وقوفه مع فتاة منكر يجب تغييره.
وكانت النتيجة هى قتل الشاب وحرمانه من الحياة التى وهبها له الله، وحرمان أهله من أجمل ما أعطاهم الله فى الدنيا. مرّ وقت ليس بالطويل. أربعة أشهر تقريبا على الحادثة، ودخل المجتمع فى نقاش عجيب حول قضايا يراد فرضها فى الدستور لا تتفق مع تاريخ الأمة المصرية، ولا ما قطعته البشرية من تطور. ثم حدثت حادثتان فى يوم واحد هذا الأسبوع، الأولى فى صعيد مصر وهى الاعتداء على حفل فريق «من قلب مصر» وفريق «إيد فى إيد» فى محافظة المنيا آخر أيام العيد، بحجة أن هناك بعض الترانيم المسيحية التى فى الغالب لا يفهمها أحد من الذين هاجموا الحفل، واعتبروا أن ذلك عمل تبشيرى رغم أنه كانت هناك أغان للمسلمين وأشعار تلقى، وكان غرض الحفل كله الفرح بالعيد ودعم الوحدة الوطنية. والحقيقة التى يعرفها الجميع أن بعض السلفيين رأوا أن الغناء والمعازف والموسيقى، حرام أصلا فقرروا تحويل الموضوع إلى تبشير. تبشير فى العلن كده وفى حفلة وافق عليها المحافظ وعلى مسرح المحافظة وحضرها مندوب عن حزب الحرية والعدالة وغيره من الأحزاب. كان طبيعيا أن يتصدى لمن أراد إلغاء الحفل بعض الشباب من المحتفلين من جماعة 6 إبريل أو حزب الدستور أو من ليس لهم علاقة إلا بالفن، وانتهى الحفل قبل موعده بأمر من مدير الأمن طبعا خوفا من تطور الأمور، وأيضا عدم القدرة على تحويل من جعل نفسه حاكما دون الحاكم إلى النيابة أو استخدام القانون معه.
يعنى نفس الطريقة القديمة، لم الدور واكفى على الخبر ماجور فى عصر لا يوجد فيه أى ماجور يغطى على أى خبر. ليس هذا فقط، ففى نفس اليوم تقريبا حملت الأنباء اختفاء الصبية الصغيرة 13 سنة أو 14 سنة ما تفرقش، واسمها سارة من مدينة الضبعة، وقيل إنها اعتنقت الإسلام، وأنها يمكن أن تتزوج من مسلم.
وعلى الفور ظهرت الفتوى من بعض السلفيين المشاهير، وقالوا مادامت قد بلغت فيحق لها إشهار إسلامها وجوازها، وهم طبعا يقصدون بالبلوغ الحيض وليس بلوغ العقل. وهكذا فالرجل سن بلوغه الواحد والعشرون سنة لأنه لا يحيض مثلا، رغم أنه يستمنى أيضا فى نفس سن الحيض! أما المرأة فبلوغها هو حيضها وليس عقلها باعتبارها وعاء جنسيا يسمونه ماعون.
رغم أن القانون لا يعطى الفتاة فى هذه السن حق فتح حساب فى البنك مثلا ولا حق الترخيص بقيادة سيارة ولا حق التصرف فى إرثها إذا صار لها إرث ولا حتى حق الزواج الذى حدده القانون بثمانى عشرة سنة، وهو قانون سار حتى الآن وغير ذلك.
وكل ذلك لسبب بسيط أنها لم تبلغ بعد. يعنى بلوغ العقل وليس الحيض. لكن بلوغ المرأة عند من أفتى بذلك من السلفيين هو حيضها. وأكثر من ذلك أنها وقد حاضت بلغت من العقل ما بلغه أرسطو، فقررت تغيير دينها وعن قناعة تفوق قناعة روجيه جارودى الذى فعل ذلك فى الستين. كل ذلك يجرمه القانون لكن لا أحد يفعّل القانون. بل حتى الشخص الذى أقنعها بدخول الإسلام يجرمه القانون لأنه غرر بطفلة. طبعا ليتزوجها ويجعل الأمر واقعا والرجوع فيه ردة ومن يساعد عليه كافر، رغم أن المسألة غير قانونية من البداية ولا يمكن لعاقل أن يتصورها، فمثل هذه البنت لا يمكن أن تعرف شيئا عن الإسلام وربما عن المسيحية أيضا! ويقال إنها صارت مسلمة بشكل رسمى. أى تم إسلامها فى الأزهر. وأنا لا أصدق ذلك لأن من يوافق على ذلك بالأزهر يعرف معنى بلوغ الإنسان وأنه الرشد العقلى وليس الحيض.
وإذا كان ذلك تم فى الأزهر فهى مصيبة وغير قانونى أيضا. هؤلاء الناس يدخلون بالمجتمع المصرى إلى دهاليز مظلمة للأسف ولا أحد من الحكام يطبق القوانين. وهؤلاء وغيرهم هم أكبر مشكلة ستدخل فيها مصر ورايتهم أن الرئيس مؤمن ومن حزب الإخوان المسلمين فنحن حكام هذا البلد وطز فى تشريعاته إذا لم تتفق مع أهوائنا.. وما هو قادم أبشع فهل ينتبه أولو الأمر من الحكام لأهمية تفعيل القانون أم ستكون الفتنة الطائفية زى زمان طريقة لشغل العقول عن سياسات هى جرائم ترتكب فى حق البلاد كما كان يفعل النظام السابق؟ تبقى خيبة تقيلة والله.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة