ندعو الله ألا يتكرر سيناريو حرب يونيو 67 لتوريط مصر فى مواجهة عسكرية ضد إسرائيل، فلم تكن الحرب من أولويات الرئيس جمال عبد الناصر، وكان اهتمامه الأول هو البناء والتنمية والخطط الخمسية ورفع مستوى معيشة الشعب المصرى، وقال ذلك بوضوح فى خطابه فى عيد العمال مايو 1966، ولكن فى غضون عام نصبوا له السيرك وتم جرّه لحرب لم يكن مستعداً لها، وحدثت الهزيمة المريرة التى مازالت آثارها تخيم على المنطقة حتى الآن، ودفع شعبها ثمناً فادحاً وتحمل الفقر والتخلف والجوع، دون أن تمتد لها يد المساعدة من الأشقاء العرب، الذين وقفوا إما متفرجين أو شامتين، مع أن فلسطين ليست قضية مصر وحدها بل كل العرب والمسلمين.
الحرب ليست نزهة ولا فسحة ولا تظاهرة، ولا أن يجمع صفوت حجازى الملايين ويذهب بهم لتحرير فلسطين، فأقصى مكان يمكن أن يذهب إليه هو ميدان التحرير، ومثل هذه الشعارات الخادعة هى التى جلبت على البلاد الكوارث والمصائب والهزائم والنكبات، وهى التى أدخلت جمال عبدالناصر مصيدة الهزيمة التى نصبوها له بإحكام، واستخدمها المناضلون العرب فى ابتزازه والهجوم عليه ووصفه بأنه لا يصلح قائداً للعرب ولا زعيماً للأمة العربية، إلا إذا حارب إسرائيل واستأصلها من المنطقة وألقى بها فى البحر، والتقطت إسرائيل الطُعم وصعدّت عملياتها العسكرية ضد سوريا، حتى تدفع مصر إلى الحرب وتلحق بها الهزيمة، دون أن يتاح لجيشها فرصة الحرب العادلة، ولعل ما يحدث الآن فى سيناء يشبه إلى حد كبير ما كان يحدث فى ذلك الوقت. لقد عادت الآن أسطوانة «مصر الكبيرة» وترديدها يجعلنى أتحسس مسدسى، وكأن مصر لا تصبح كبيرة ولا زعيمة ولا قائدة ولا مناضلة، إلا إذا تم توريطها فى الصراعات الإقليمية وحاربت بجيشها وضحّت بأبنائها، وبعد ذلك يسدلون على تضحياتها ستائر النسيان ولا تلقى إلا الجحود والقسوة ونكران الجميل، أين هى مصر الكبيرة التى لا يذكرونها بالخير إلا حينما يُضمرون لها شراً، بينما سيناء مهددة بمخاطر أمنية ضخمة، من الأعداء والأشقاء على حد سواء وتسعى التنظيمات الإرهابية التى تعتدى على جنودنا، إلى جعلها وطنا بديلا لمطاريد الإرهاب بعد التضييق عليهم فى أفغانستان واليمن، وهل تتحمل مصر حرباً بالتوريط، ويُفرض عليها مكان وزمان المعركة؟.
«لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين» ومصر ليست أغنى من قطر ولا السعودية ولا الكويت، ودماء أبنائها ليست أرخص من دماء التوانسة ولا العراقيين ولا اليمنيين، وفلسطين قضيتنا مثلما هى قضيتهم وإسرائيل عدونا مثلما هى عدوهم، فلماذا لا يكونون معنا فى السراء والضراء وعلى الحلوة والمرة، ويحشدون مواردهم ويفعّلون اتفاقية الدفاع العربى المشترك، لنواجه هذا العدو اللعين يداً واحدة وصفاً واحداً، بدلا من النضال الصوتى وبيانات الشجب والإدانة، التى لا تحرر شبراً ولا تنقذ طفلاً فلسطينياً من آلة الحرب الإسرائيلية الإجرامية التى تفوق فى بشاعتها جرائم النازى.