تبهرنى دائما حالات الشد والجذب والهجوم والدفاع التى تنتاب المجتمع كلما غضب شباب الميدان أو تهوروا أو انفعلوا أو أخطأوا، وسبب انبهارى هو أنى لا أعرف حتى الآن سببا لاعتقاد الناس بأن شباب الميدان ملائكة لا يخطئون، بل ليسوا ملائكة فحسب وإنما الأكثر ملائكية والأكثر اتزانا والأكثر وعيا والأعقل دائما والأهدأ دوما، ولست أعرف كيف يعتقد الناس هذا الاعتقاد مع إيمانهم بأن الشباب «شباب» وأنهم بشر وأن لهم «طاقة» على الاستيعاب، وأنهم تعبوا كثيرا ولم يروا لتعبهم نتيجة، شتمهم الجميع أثناء الثمانية عشر يوما ثم وضعوهم فوق الأكتاف، ثم شتمهم الجميع أيضا حينما طالبوا بإقالة أحمد شفيق، ثم كللوهم بالغار، ثم شتمهم الجميع حينما دعوا إلى رفض التعديلات الدستورية، ثم عضوا على أصابع الندم، ثم شتمهم الجميع أيضا حينما أصروا على سجن مبارك، ثم انتابتهم فرحة هستيرية حينما رأوه فى السجن، وكانت الشتيمة على أشدها حينما هتفوا «يسقط حكم العسكر» واتهموا بالخيانة والعمالة، ثم صار إسقاط حكم العسكر حلم كل مصرى، فكيف بعد ذلك نريد أن نقول فيسمع الشباب ونأمر فيطيع الشباب؟
يتضاعف الانبهار حينما نرى الرئيس كل يوم يدهس القانون تحت قدميه صباحا ومساء، ثم نريد من الشباب أن يلتزموا بالقانون، لا ألقى هنا اتهامات جزافية ولا أدعى أشياء لم تحدث، وقد سبق أن أشرت فى عشرات المقالات إلى فلسفة دهس القانون التى يتبعها الحاكم ومن معه، بداية من عدم تقنين وضع جماعة الإخوان المسلمين، وليس انتهاء بقرارات الإفراج عن مهربى السلاح والإرهابيين التى وقعها الرئيس مرسى منفردا ونشرت فى الجريدة الرسمية، تسأل الإخوان فلا يجيبونك إلا بـ«موتوا بغيظكم» إن قلت لهم: أين وعد الرئيس بإعادة تشكيل التأسيسية؟ فالإجابة: «موتوا بغيظكم» وإن قلت لماذا أفرج عن القتلة ومهربى السلاح والإرهابيين؟ فالإجابة: «موتوا بغيظكم»، وإن قلت لهم: أين وعد الرئيس بإعادة محاكمة القتلة؟ فالإجابة: «موتوا بغيظكم» وإن قلت لهم أين خطة المائة يوم؟
فالإجابة: «موتوا بغيظكم»، وإن قلت لهم كيف يقدم الرئيس رشوة فى صورة مناصب حكومية رفيعة لما يقرب من ربع أعضاء التأسيسية؟ فالإجابة: «موتوا بغيظكم»، فلماذا إذن تستغربون حينما يموت الشباب بغيظهم، مفجرين أنفسهم فينا؟
أنت تريد أن تعرف من المخطئ ومن المصيب فى المواجهات الدامية التى وقعت فى شارع محمد محمود، وتريد لهذه المواجهات أن تنتهى، ودعنى أقول إن البادئ فى هذه الأحداث هم الشباب، فهم الذين حطموا السور الخرسانى الفاصل بين المظاهرة وشارع محمد محمود، فردت عليهم الداخلية بإطلاق رصاصات الصوت ففزع الشباب فى البداية ثم هرولوا نحو الشرطة بالحجارة، لكن لا تحسب أن هذا السبب المباشر هو الذى أشعل المعارك، وأججها، فالسبب الحقيقى فيما يحدث الآن هو «الإحباط» ولا شىء غيره، فلو كان الشباب حديدا لانفجر من كثرة التعرض للموجات الحارقة من النقد والموجات الباردة من التبجيل، ولو كان الشباب رأوا القليل من النتائج الواقعية الملموسة لما ألقوا بأنفسهم إلى التهلكة، ولحافظوا على بلادهم ومنشآتهم ومستقبلهم مثلما خافوا عليها قديما، ولما تحول مئات الآلاف من الشباب «الطاهر» إلى مئات الآلاف من القنابل الموقوتة التى ستنفجر فى وجه المجتمع حتما إن سارت الأمور إلى ما تسير إليه،، فإذا كان السيد رئيس الجمهورية يدهس القانون كل يوم، فلا عجب إن رأيته نتفا تحت الأقدام.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة