كان من حظهم الجيد.. أن تغرق السفينة بالقرب من شاطئ هذه الجزيرة المهجورة لذلك نجا الكثير منهم ولكنهم اكتشفوا أنها جزيرة جرداء أغلبها صحراء وليس فيها غير نبع ماء واحد.. فتجمعوا حوله وبدأوا فى التعارف والحديث فيما بينهم فأغلبهم من فصائل وجهات مختلفة، إلا جماعة منهم كان يبدو عليهم أنهم من عشيرة واحدة ورغم أن عدد هذه الجماعة كان يشكل نسبة ضئيلة جداً من عدد الموجودين إلا أن تأثيرهم وقوتهم كانت واضحة بسبب تجمعهم وترابطهم كما كانوا حريصين على أن يظهروا بمظهر متدين ورحيم خاصة مع الصغار والعجائز لذلك كانت تلك الجماعة تحظى بمعاملة متميزة من الكثيرين الذين اعتقدوا أنهم طوق نجاة وأنهم قد يساعدونهم على الحياة فى تلك الجزيرة الشحيحة فى كل شىء. وبدأت تلك الجماعة فى توزيع الأعمال على الناس لتسيير حياتهم اليومية فهؤلاء يبنون العشش وهؤلاء يجمعون الحطب وهؤلاء يصطادون ما يجدونه وعلى رأس كل مجموعة وضعوا رجلا منهم قد لا يساعد بقدر ما يراقب عمل الآخرين أو يدعوهم لإتقان العمل أو يخطب فيهم بالموعظة الحسنة. ولأن أى مجتمع يحتاج إلى قائد أو رئيس فكان زعماء تلك الجماعة ورجالها الأقرب لتلك المكانة. فقد كانوا القوة الوحيدة المتحدة فى ظل اختلاف وتشتت الجميع. كما كانوا لا يخجلون من إظهار العنف للمعارضين أو إبعاد الرافضين مما أرهب البعض.. كما أن خطابهم الدينى الدائم غسل دماغ الكثيرين.. وفى النهاية رضخ الجميع لحكم تلك الجماعة وتسيد رجالها الجزيرة بما فيها ومن عليها. واستمر الآخرون فى العمل والشقاء تحت لهيب الشمس أو صقيع الليل.. بينما أبناء الجماعة مدللون مرتاحون..يتابعون أو يوجهون أو يخطبون فى الناس بالحق؟.
ومع مرور الوقت قلت موارد الغذاء فى الجزيرة فكل أخضر فيها أكلوه وكل ما يمكن صيده اصطادوه وأصبح النزول فى البحر مستحيلا بعد قدوم الشتاء. جاع الناس وهانت قوتهم ومات الكثير منهم فخرج من تلك الجماعة من يدعو الجائعين لأن يأكلوا أشلاء الميتين.. أقنعوا الناس بأن الظروف والدين والمنطق يسمحون بأن نأكل الجيف حتى تستمر الحياة.. وبالفعل استمرت الحياة فكل من رفض أن يأكل من لحم أخيه مات جوعا وأكلوه. وكل من قاوم هذا التوحش قتلوه وطبخوه.. واعتاد الأحياء على طعم الأموات واقتنعوا أنه السبيل الوحيد لتستمر الحياة.. ولكن الموت الطبيعى لم يعد يكفى لإشباع تلك الأفواه المتوحشة فما لبثت الجثث أن انتهت حتى عاد الجوع للجزيرة مرة أخرى، فخرج من الجماعة من يطالب بقتل بعض الأحياء ليعيش الباقون، وبدأت المزايدة على من يعيش ومن يموت.. فكان يخرج من تلك الجماعة أمر كل مساء بمن يتم ذبحه فى الصباح.. مع ورقة صغيرة كتبوا فيها لماذا اختاروا هذا أو ذاك.. فهذا من طاقم السفينة وهذا خائن وهذا معارض وهذا كافر. المهم أن يعيشوا هم ويموت الآخرون.. وأخرجوا لأنفسهم قانونا بألا يحاكمهم أى قانون وأن يفعلوا فى الناس ما يرغبون.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة