لم يجد الإخوان المنتشرون فى الفضائيات أفضل من الاستشهاد بتجربة الرئيس عبدالناصر فى المحاكم الثورية، للدفاع عن الإعلان الدستورى الجائر الذى شقّ الأمة، رغم أنهم اكتووا بنارها، وذاقوا سعيرها، وشردتهم وزجت بهم فى السجون والمعتقلات، وحرمتهم من الدفاع العادل عن أنفسهم.. فلماذا يريدون أن يشرب غيرهم من نفس كؤوس الدم والنار التى شربوها، ولماذا يعودون لنفس الأسلحة الفاسدة، بينما الرئيس مرسى يشجب «الستينيات وما أدراك ما الستينيات»، وهل يليق استنساخ هذه المقصلة التى يعترف الناصريون أنفسهم بأنها كانت فضيحة وعاراً وسبة ونقطة سوداء، وهل اكتشفوا فجأة مزاياها ومحاسنها، فقرروا أن يغتالوا النظام القضائى العريق من أجل محاكم شريرة، لا يمكن بأى حال الدفاع عنها؟
لا يمكن الدفاع عن محاكم ثورية يتم تشكيلها بفرمان من وزير العدل، لتكون خاضعة لمشيئة وزير العدل والحاكم الذى يقوم بتعيين وزير العدل، وتبذل قصارى جهدها لتثبت له أنها كانت عند حسن ظنه، على حساب القانون والقضاء والضمانات الضرورية للمحاكمات العادلة.. ولا يصح أبدا التذرع بتبريرات «الظروف الاستثنائية والضرورات تبيح المحظورات»، فمنذ أكثر من ستين عاما، ونحن نسمع مثل هذه العبارات على لسان كل من يجلس على كرسى الحكم بمن فيهم الإخوان، نفس الأسطوانة المشروخة بأن مصر مستهدفة وفى عنق الزجاجة، حتى يُخيل لنا أن البلاد ستظل محشورة فى هذا العنق الذى ليس له زجاجة، وكأن كرسى السلطة الملعون يُجبر من يجلس عليه أن يُقدس الكرباج والسيف.
المحاكم الثورية لن تأتى بحقوق الشهداء، إلا إذا انتفضت أجهزة الأمن وبحثت عن الأدلة والقرائن والمستندات التى تدين المتهمين الحقيقيين، أدلة قوية وثابتة وراسخة وليست مجرد شهادات شهود مرسلة ومشكوك فيها، وأن تكون تحقيقات جنائية وليست سياسية، وألا يكون الهدف منها الغل والانتقام وتصفية الحسابات، وألا تكون مقتصرة على رموز النظام السابق، فمن قتلة الثوار من هم من غير هؤلاء؟.. وإذا حدث ذلك فلن تكون هناك حاجة لمحاكم ثورية مشبوهة تعيدنا إلى الوراء وتقوض دعائم السلطة القضائية، وإذا دارت عجلتها فلن ترحم أحداً، فالذى يحتمى بها اليوم قد تنقلب عليه غداً.
أقول للإخوان وللرئيس مرسى: «هل نسيتم محاكم جمال سالم والدجوى» وآراء قادتكم تعتبرهم قتلة ومجرمين وسفاحين، ولماذا تريدون استعادة نظام قضائى مشوه ومشبوه وليس فيه إلا روح الانتقام والغل وتكميم الأفواه والإقصاء والتنكيل والحرمان من القاضى الطبيعى، وهل انتخب الشعب رئيسه من أجل العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، أم النار والحديد والديكتاتورية؟.. أليس من الأجدى أن تشرعوا لنظام يحميكم ويحمى البلاد من الظلم والبطش والاستبداد، وعندما تتركون السلطة لا يستطيع حاكم ظالم أن يعيد الماضى بفواجعه ومآسيه، وتعيشون أحرارا تحت مظلة النظام العادل الذى أرسيتم قواعده.. «لو دامت لغيرك ما جاءت إليك» ولم يكن أحد يتصور أن حكاما عتاة مثل عبدالناصر والسادات ومبارك يمكن أن يتركوا السلطة وتدور عليهم الدوائر، ولا أجد نصيحة للإخوان والرئيس، غير مقولة سيدنا على بن أبى طالب - كرّم الله وجهه – «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً».