إنها قنا مرة أخرى.. لا تنفك تلك المدينة البعيدة –عن العين لا القلب - فى إثارة دهشتى رغم أن تغلغلها فى الوجدان يجعلها متوقعة فى كل شىء حتى تصريحات مسؤوليها وتجليات رموزها السياسية، المهم.. لم أندهش من تصريحات مدير أمن قنا اللواء صلاح مزيد حول واقعة التحقيق فى اعتداء ضباط على مواطنين، لكننى تألمت من كلام الرجل وشعرت بالقلق من تلميحاته واستغلاله للحس الوطنى واشتياق الناس للأمان بشكل ينزع عن كل مواطن وطنيته وحاجته للأمن.
الواقعة، كما فهمتها، تتلخص فى أن محاميا حقوقيا أخذ مواطنا من يده وذهب للشكوى تجاه اعتداء ضباط بأمن قنا عليهم بإجبارهم على «لحس الأحذية»، وكان رد مدير الأمن على الواقعة أنها تمت منذ شهرين وجرى التحقيق فيها حينئذ وأخذ كل واحد عقابه، هكذا إذن.. تم نقل أحدهم للوادى الجديد وإحالة بعضهم للتأديب ونقل بعضهم من تخصصات، يعتبرها الجهاز الأمنى مميزة، إلى أخرى نظامية «لا تبدو من اسمها أنها تحوى نوعا من العقاب» وانتهى الأمر.. السيد مدير الأمن زاد على ذلك بالقول إن هناك من يحاول إثارة الفتنة والبلبلة بالمحافظة من خلال إطلاق الشائعات.
الأمر لا يتعلق بالثورة، ربما لأن التشدق بها لم يعد مجديا، الأزمة تكمن فى ضمير سيادة اللواء الذى يعتبر أن إهانة مواطن بهذا الشكل أيا كانت جريمته، خطأ إداريا يكتفى فيه بنقل هذا وشد أذن ذاك، الأزمة تكمن فى الميراث المهنى والخبرة الحياتية لسيادة اللواء، والتى تعتبر أن أى إهانة للمواطن فى بلده تتضاءل أمام الدور العظيم الذى يؤديه الشرطى حتى لو داس على رقاب البشر، الأزمة ثالثا أن وزير الداخلية الحالى مجبر على المشاركة فى النهضة باستعادة الأمن للشارع بأى طريقة، حتى لو اضطر لقتل المواطنين بمجرد الاشتباه، فكيف إذن سيحفظ كرامة المواطنين.
سأفترض حسن النية فى تبرير سيادة اللواء بكفاية العقوبة، لعدم تدمير مستقبل ضباط وأفراد أمن يرى أنهم أسوياء ارتكبوا هفوة لا يستحقون الذبح عليها، لكن قل لى وربك، هل تتوقع من هؤلاء المواطنين أن يقدموا للمجتمع أبناء صالحين ومسالمين يحبون الشرطة ويقدرون رجل الأمن، هذا إن تمسكوا هم أنفسهم بما تبقى لديهم من صلاح ومسالمة، هل تقتنع سيادتك بأن هذا الإفلات المقنن من العقاب سيصنع مستقلا أفضل لأحفادك وأبناء هؤلاء الضباط، كيف ستأمن لضابط ارتكب مثل هذه الحماقة بأنه لن يكررها، وقد نقلته لمحافظة أخرى ليذيق أهلها نكدا وإهانة، لماذا لم تقوم سلوكه قبل أن تنقله، وهذا ليس عيبا، هل تعتقد أنك ستقف أمام قاضى السماء وأنت مبتهج على قيامك بواجبك كما يكون، وأنت لا تدرى كم رجلا ظلمت، هيهات هيهات، وإن حدث هذا فسأجعلهم يخبرونك بمكان قبرى لتفعل عليه ما تشاء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة