لا شىء يؤلمنى فى كل ما يحدث فى مصر أكثر من سيناء، أشعر أحيانًا أنها ليست كبقية بقاع مصر، وإنما درتها وتاجها، أتخيل أن العالم كله فى سيناء، وليس العالم فحسب، وإنما أجمل ما فى العالم، هى أرض الله المقدسة التى احتضنت أنبياءه ورعتهم، وهى الأكثر قدسية من أرض الحجاز، مهبط الوحى الإسلامى، والأكثر قدسية من القدس ذاتها، فإن كان الله جل وعلا قد اختار الحجاز لينزل فيها جبريل الأمين على خاتم المرسلين، واختار القدس لتكون مهبط المسيح وقبلة المسيحية ومسرى الرسول، فقد شرف سيناء باختيارها مكانًا للتجلى لذاته العليا لتظل إلى أبد الآبدين حاملة هذا الوهج المقدس ومحتفظة لنفسها بالمكانة العليا على ما عاداها من بقاع العالم.
لم أشك يوماً فى أن الله سيحفظ سيناء من كل شر، تماماً مثلما يحفظ بيته الحرام، لكن مع يقينى سيحفظ سيناء من الشرور يزداد خوفى كل يوم على هذه البقعة المنيرة من بقاع مصر، فعلى قدر الجمال يكون القتال، ولأن سيناء هى الأجمل، يشتد حولها القتال منذ فجر التاريخ، ونشهد الآن إحدى أحلك حلقات هذا القتال المؤلم، ما بين إرهابيين يزعزعون استقرارها ويهددون أمنها، وجهلة من الحاكمين لا يقدرون مسؤوليتهم تجاهها، وصهاينة تأكلهم الحسرة عليها كل يوم.
تأتى الأنباء من سيناء تقول إن دماء إخواننا سالت على أرضها المقدسة فى أذان المغرب فى الشهر الكريم، تأتى الأنباء من سيناء تقول إن الإرهابيين احتلوا إحدى نقاطها الحدودية رافعين عليها علم السلفية «الأسود»، تأتى الأنباء من سيناء تقول إن ضباط داخلية «العادلى» قتلوا بدويًا بعد آخر، وأحدهم رقص على جثة المقتول إمعاناً فى الإذلال، ثم تأتى الأنباء من سيناء تقول إن أفراد الشرطة يقتلون وديوان المحافظة يحتله بعض الشباب الثائر الغاضب، فى غياب تام للدولة، وموتٍ إكينيكلى للقانون، وانتحار رسمى للعدالة التى ناضل الشعب المصرى من أجلها.
منذ ما يقرب من سنتين، دعوت فى هذا المكان إلى إعمار سيناء اقتصاديًا وثقافياً واجتماعياً، ولأنى معنىٌ بالشأن الثقافى أكثر، أفردت أكثر من مقالٍ للحديث عن أولويات العمل الثقافى فى هذه البقعة المقدسة، واضعًا خطة طموحة لإنمائها، وحفر اسمها على الخريطة الثقافية، ووقتها هاتفنى الدكتور شاكر عبدالحميد، وقت أن كان أمينًا عامًا للمجلس الأعلى للثقافة، مثمنًا تلك المبادرة وواعداً بتنفيذ هذه الخطة، وحينما أصبح «عبدالحميد» وزيراً للثقافة واستدعته لجنة الثقافة والإعلام بمجلس الشعب المنحل لعرض مشاريع الوزارة، كانت خطة إعمار سيناء ثقافيًا على رأس القائمة، وقد كنت فى غاية السعادة حينما افتتح صابر عرب وزير الثقافة الحالى إحدى المنشآت الثقافية فى سياق الخطة القديمة، لكن لأننا تأخرنا كثيرًا فلم يعد يجدى ذلك التحرك البطىء، إذ يجب علينا أن نعمل كثيرًا علنا نعالج بعضًا مما أعطبناه.
مشكلة سيناء المتكررة أنها مثل أغلب محافظات مصر ينتهك فيها القانون، ومعروف أنه إذا غاب القانون العادل، حضر قانون الغاب، ووقتها لن ينفع إعمار ولا إصلاح ولا تثقيف، هذا ما فاتنى أن أؤكد عليه سابقًا، وعذرى هو أنى تخيلت أن سيادة القانون من البديهات التى لا تحتاج إلى تنبيه أو إشارة، فلأننا نعيش فى دولة لا دولة، ولأننا نعيش فى نظام لا نظام، ولأن القائمين على سن وتفعيل القانون، هم أول من يضربون به عرض الحائط، نتجرع من الأزمات مراراً يعقبه مرار، إلى متى سيظل هذا الوجع ضاغطًا.