لو أن الحديث عن المرأة وحقوقها، كان مهماً فى يومٍ من الأيام ، فإنه الآن فرض عين، تماماً كوجوب قتال العدو، والعدو موجود خلفنا، والبحر أمامنا، بحرٌ يبدو مخيفاً، لكن ترقد فيه الحقوق ولا تجوز سوى لمن يجرؤ على الغطس فيه واقتناص لؤلؤة.
ما بين جهلٍ مقيمٍ وشرس، تضرب جذوره فى أعماق تاريخ الانحطاط البشرى فى كل صوره، يبغض أصحابه النساء بغضهم للجمال والحياة، وبين تياراتٍ تتاجر بالمرأة لأجل مكاسب سياسية، لا تهتم إن حصلت عليها بمراعاة المرأة فيها، حتى إنها قد تتنازل تماماً عن كل ما يهم النساء مقابل صفقة فى عالمٍ بلا أخلاق، وبين فئاتٍ لا تجد فرقاً بين أن تحيا المرأة كريمة أو مهانة طالما تملك من رغد الحياة ما يكفيها شر السؤال، بين كل هؤلاء تكاد المرأة المصرية أن تضل طريقها: لا تعرف الصواب من الخطأ، وما كنه الصواب أصلاً وما كنه الخطأ، جيل الشابات المصريات تحديداً يفصله عن تراث المرأة المصرية ساترٌ ترابى كثيف، فهن لم يتعلمن فى المدارس ما حقوقهن، ولم يقدم لهن الإعلام نماذج النساء المصريات الرائدات التى ساهمن فى بناء الدولة المصرية، كمواطنات لا إناث، ولا نماذج الرائدات النسائيات اللاتى بجهدهن وضعن المرأة المصرية فى مصاف المساواة مع نساء العالم المتحضر فى كثيرٍ من الحقوق، الجيل الحالى من الشابات لا يعرف شيئاً عن المناصب الدولية التى شغلتها النساء المصريات، بفضل كفاءاتهن واحترام العالم لعلمهن وعملهن، لا يعرف عن بنود قوانين لا تزيد عن كونها أسطر، لكن خَطّتها تضحيات النساء المصريات كى تعيش بناتهن وحفيداتهن بكرامة، كل ذلك مهدد الآن، لأن لا أحد يعرف قيمته، ولا المصريات الشابات يدركن حجم تأثيره فى حياة كل منهن بالضرورة، وهو ذنب تشترك فيه أطرافٌ عدة، لكن الكل سيدفع ثمنه.
على الكل أن يدرك قيمة كل امرأة تخرج إلى العمل: قيمة عملها بالنسبة للمجتمع، وقيمة تحملها عبء الخروج للعمل فى مجتمع لا يقول لها فى نهاية يومها.. ولا نهاية عمرها: شكراً!.
أن تحبها، وأن تحميها، وأن تبحث عما يرضيها، هو بحثٌ عن حبك لنفسك وحمايتك لها وإرضائها، لم يكن ما يقدمه الرجل للمرأة يوماً مناً منه ولا عطية، هو واجب نحو المرأة: مرآة ذاته.
امرأة مقهورة لا تنجب سوى أطفال مقهورين، رجالاً كانوا أم نساء، فكيف لنا الحياة بكرامة ونحن شعب لم تربه سوى نساء مقهورات؟!، الكرامة للنساء هى كرامة للرجال، والعدالة للنساء هى عدالة للرجال، والحرية للنساء هى حرية للرجال، ليس لأن المرأة هى أُم الرجل وأخته وزوجته وابنته، فحسب، بل لأن المرأة هى التى تربى الرجل أُماً، وتشاركه رحلة الحياة سنداً ومودةً ورحمة ًكزوجة، فكيف لرجلٍ أن يسعد دون أن تسعد المرأة؟
أن تفرح امرأة، فترقص الدنيا: تغرد البلابل، وتهنأ قلوب العشاق. أليست تلك هى السعادة التى يبتغيها أى رجل؟ السعادة التى يسعى إليها بسعيه الدؤوب نحو الرزق، وبحلمه الدائم بالحب؟ بقتاله اليومى لأجل دفء يوفره لأسرته؟ كيف يكون كل ذلك دون أن تسعد المرأة؟! تماماً كأننا نتساءل: كيف لفنانٍ أن يعيش فى عالم لغته هى طلقات المدافع؟ وكيف لامرأةٍ أن تعيش فى عالمٍ يتقاتل فيه الرجال لأجل سيطرة ذكورية لا تبتغى العدل؟ وكيف لطفلٍ أن يفرح وأمه تعيسة؟، وكيف لطفلةٍ سورية أن تفرح بالعيد؟
والإجابة ذاتها: أن تنشأ امرأة على السعادة فتصبح قدرها المحتوم، يصبح الأمر تماماً: كفنانٍ استراح فى سلامٍ بعد أن سكتت المدافع، كامرأةٍ وجدت أمانها فى عالمٍ لا يَظلِم فيه الرجال، كطفلٍ ابتلع الفرحة من قلب أمه فكبر على سعادةٍ لا شقاء، كفرحة طفلةٍ سوريةٍ بالعيد بعد رحيل بشار..
بالله عليكم.. أليس هذا بعالمٍ نستحقه؟!