عدت من الحج والحمد لله وقد تزودت بطاقة روحية عالية وشعرت وأنا هناك أن أداء فريضة الحج يحتاج من المسلم استعدادا بدنيا وروحيا، بخلاف «المادى» وهذه التجربة لا يمكن لمن يعيشها أن يصفها فهى تحتاج لمجلدات لوصفها وربما لا يفى الواصف بعظمة الموصوف لأن تجليات الوصل الإيمانى فى أداء المناسك بالمشاعر المقدسة تتفوق على أى حضور مكانى أو زمانى، خصوصاً فى المدينة المنورة التى يغمرك فيها إحساس السكينة الذى يتجاوز أى وصف، فهى مدينة رسول الله وصحبه والتى ما إن تدلف إليها إلا وينتابك هذا الشعور الرائع العبقرى والذى يتسق مع جمال شوارعها ومبانيها ونظافة الشكل مع الجوهر، بخلاف مكة التى استفزنى وجود القمامة فى كل ركن من شوارعها بما لا يتناسب مع جلال مكانتها ووجود المسجد الحرام والمشاعر المقدسة بها، إن تراكم القمامة فى منى والمزدلفة لابد أن يخرجك من الإحساس بالراحة التى يستولدها الإيمان والتسليم وروح العقيدة، وأنا استغربت أن خطاب الدعاة لم يتطرق لهذا الموضوع وهو النظافة، وقد تذكرت هناك شعار «مصر نظيفة» الذى أطلقه الإخوان منذ عدة أشهر، شعار رائع وجميل، لكنه يحمل أكثر من دلالة ومغزى ومعنى، أولا يؤكد أن مصر تعانى من حالة قذارة مزمنة فى الشوارع والحدائق والمراحيض العامة والمؤسسات الحكومية، وأصدقكم القول أنك لن تجد فى أى بلد فى العالم المتحضر مرحاضا عموميا بالمستوى المتدنى الذى تعانى منه مراحضنا، رغم أن الفراعنة هم الذين اخترعوا المرحاض الصحى والصرف الصحى، وفى رحلة الجاريتين المصريتين ماريا وسيرين للجزيرة العربية، وهما الجاريتان اللتان أهداهما المقوقس حاكم مصر للنبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وهى الرحلة التى ذكرتها بالتفصيل الكاتبة الراحلة سناء المصرى، ستتأكد أن المصريين هم الذين نقلوا المرحاض للعالم الخارجى، ثانيا: النظافة ليست شكلا وقمامة فقط، بل هى سلوك وألفاظ وتصرفات وفكر ومعيار ذلك فى الشارع، الشارع وحده يعرفك أى مستوى من السلوك العام القذر والمتدنى والمبتذل يعانى منه المصريون، ثالثا: النظافة أيضاً مظهر من مظاهر الإتقان فى العمل والإخلاص فيه، انظر كيف يبدع العامل المصرى فى النصب عليك وتلفيق أى مهمة توكل إليه، مثل عمل يدوى كالنقاشة والسباكة، فالنظافة مفهوم شامل يرتبط بها طبعاً النظر للمرأة والتحرش بها فى المواصلات العامة والميادين والطرق، وللعجب أنك لن تجد امتهاناً لكرامة المرأة وجسدها وشكلها إلا فى بلاد المسلمين.. لن تجد ذلك فى أى بلد أوروبى، لأن هناك القوانين تعطى حماية مطلقة للمرأة فى الطريق العام، وفى هذه البلاد أيضاً ستجد أن القمامة ثورة حقيقية لذلك ستجد فى كل شارع أماكن لوضع القمامة محكمة الإغلاق والقمامة نفسها أنواع، هناك مكان للورق أو البلاستيك، وآخر للزجاج، وثالث لبقايا الطعام، وستجد كيس القمامة يصرف من السوبر ماركت بمواصفات معينة، وممنوع أن تضع فيه بقايا زجاج لأن هناك أماكن لهذه البقايا، وستجد جامع القمامة وسيارته الفخمة عنوانا للنظافة والأناقة، ويديه فيها جوانتى كأنه يمسك بها حرير لا بقايا أو مخلفات البشر، لذلك أقترح على حكومة الدكتور قنديل، ولا أحد يضحك من اقتراحى، أن يرسل بعثة لدول أوروبا لتتعلم كيف يتم فرز القمامة وتعبئتها، ثم تدويرها، وأنا أعلم أن نظام حسنى مبارك وحكوماته الفاسدة كانت تمنح ملايين الجنيهات لشركات أجنبية لجمع القمامة وكان فساد المحليات يمنح المناقصات للشركات حسب الرشوة والمعرفة وعلاقات رجال الأعمال أصحاب الحظوة، وكم من مليارات أهدرت فى هذا الميدان، ولم نتخلص من آفة القمامة، والآن سمعت أن رجل أعمال إخوانيا وقريبا من خيرت الشاطر يحاول أن يبلع هذه «الكعكة» ويرسيها بطريقته على أصحاب الحظوة الجدد، وقد نشر ذلك فى صدر صفحات بعض الجرايد اليومية ولم يقم أحد بنفيه ولو حدث هذا نكون قد أزحنا صفحة رجال الأعمال فى العهد السابق واستبدلناها بأصحاب اللحى، لذلك أطالب بشفافية وإعلان واضح عن مشروع النظافة الراهن، كما أطلب من كل القوى السياسية أن تشارك فى المشروع لأنه يهم كل مصرى لا شباب فصيل سياسى بعينه، حتى لا تصبح نظافة مصر من قاذوراتها -لا مؤاخذة- من نصيب طرف دون طرف، فكلنا فى الهم شرق، أقصد فى طلب النظافة معينون.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة