لأن الفضيحة مجلجلة فكان الارتباك واضحا، كل طرف من الأطراف يحاول أن يبرئ نفسه من هذا المشهد المخزى لما يسمى بـ«موقعة الكلب» الذى أطلقه جنود حرس الحدود على أهالى كفر الشيخ لإفساح الطريق أمام المحافظ الإخوانى سعد الحسينى، فعقر عدة مواطنين. الجيش ارتبك، والمحافظة ارتبكت، والبيانات متعارضة، والتصريحات متضاربة، غير أن الأكيد الوحيد هو أن هناك سلطة ممثلة فى السيد المحافظ والسادة ضباط الجيش اعتدوا على مواطنين أبرياء مسالمين بطريقة وحشية، وهو ما أعتبره «جريمة نظام» وليس جريمة فردية، وما كل هذا التضارب إلا للتضليل والتعمية على تلك الكارثة الإنسانية المخجلة المؤلمة.
المحافظ يقول إن «الكلب» الذى حول المشروع الإخوانى «مشروع النهضة» إلى «مشروع العضة» يتبع قوات حرس الحدود، وإن وجوده كان مصادفة، حيث إن مكان الحادث قريب من ميناء البرلس، ويعد الكلب من أدوات حراسة الميناء والكشف عن المخدرات واللحاق بالمهربين، لكن نسى السيد المحافظ أن يقول لنا لماذا ظهرت الكلاب فى زيارته؟، ولماذا أطلق الجنود الكلاب على المسالمين؟، وكيف يتركون أماكن عملهم ويذهبون إلى السيد المحافظ مهملين حراسة الحدود التى هى واجبهم لحراسة سيادته؟. لكن السيد المحافظ لم يكتف بهذا وادعى كذبا أن الكلب كان يفرق اثنين وقعا فى مشاجرة، وهو الأمر الذى يكذبه الفيديو المنشور على موقع اليوتيوب بعنوان «حرس الحدود تطلق الكلاب على المواطنين فى وجود المحافظ»، حيث أظهر الفيديو أنه لا وجود للمشاجرة المزعومة التى يدعيها المحافظ، وأن الجنود كان يفرقون الناس من حول المحافظ فحسب، وهو ما يستوجب محاكمة إضافية للمحافظ بتهمة الكذب، وتضليل الرأى العام.
على النقيض من تصريحات المحافظ جاءت تصريحات المتحدث العسكرى، حيث أنكر ما قاله المحافظ من أن «الكلب» تابع لحرس الحدود، وقال إنه تابع لأحد الأشخاص، مؤكدا أنه تم تحريك نقطة من حرس الحدود بناء على استغاثة من مدير مكتب المحافظ لاستشعاره الخطر على سيادته، وأن المتسببين فى هذا الحادث خالفوا القواعد العسكرية، وهو ما استوجب عقابهم وفقا لأحكام القانون العسكرى. وما يهمنى هنا هو التأكيد على شيئين، الأول هو أنه لا بد للجيش المصرى أن يتفرغ لعمله، وأن تدخله فى الحياة السياسية والشؤون الداخلية بات مرفوضا بعد تسليم السلطة. والأمر الثانى هو أن المتحدث العسكرى كذب ضمنا السيد المحافظ، وقال إن مكتبه هو الذى استدعى القوة «لاستشعاره الخطر»، أى أن المحافظ هو المسؤول عن الاستدعاء، وبالتالى فهو المسؤول عن تبعاته، والأهم من كل هذا هو أن الواقعة لا تكشف الوجه القذر فى التعامل مع المعارضين فحسب، إنما تكشف أيضا انتهاك «دولة القانون» من المحافظ والجيش على حد سواء.
فى هذا السياق غير المقبول ارتكب السيد حمدين صباحى، مؤسس التيار الشعبى، المرشح الرئاسى السابق لرئاسة الجمهورية، خطأ غير مقبول أيضا بذهابه لمكتب النائب العام استجابة لإلحاح أهالى كفر الشيخ عليه ليقف معهم فى تلك القضية، وهى الزيارة التى فسرها البعض بأنها تأتى تضامنا مع النائب العام فى معركته مع الإخوان، وهو الأمر الذى نفاه صباحى نفيا قاطعا، مؤكدا أن ذهابه إلى النائب العام كان بسبب قضيتين تخصان أهالى كفر الشيخ. لكنى مع تصديقى لصباحى فى تبريره للزيارة، لا يمكن أن أتغاضى عن أن الزيارة لهذا السبب غير مقبولة، فالقضية معروضة أمام النائب العام، ولا يجوز وفقا لتعاليم القانون التأثير عليه بأى شكل كان، كما لا يجوز له، وهو الرجل الذى انتخبته «شخصيا» ليكون رئيسا للجمهورية، أن يتصرف كما لو كان عضو مجلس شعب، أو عضو مجلس محلى، فأمام النائب العام آلاف القضايا التى تستوجب الحسم، لذا لا يجوز لصباحى، وهو الذى أعتبره أحد الرموز الوطنية، أن يتوسط من أجل «قضيتين» ويترك المنظومة معطوبة، وآلاف القضايا مجمدة.