سوف يظل عارا ما حدث فى مدرجات ملعب بورسعيد يؤرق ضمير الأمة المصرية بأسرها، ليست المسألة هى استشهاد 74 شابا من خيرة شباب الأمة، فقد قدم الشعب المصرى عبر تاريخه مئات الآلاف من خيرة شبابه شهداء من أجل حرية الوطن فى حروبه المجيدة ضد العدو الصهيونى، وكانت الأمة تحتفل فى ذكرى الشهداء بالحفلات ومباريات كرة القدم، لكن فى هذه المرة لم يكن الاستشهاد على أيدى العدو، بل هو استشهاد صحبه عار يصعب على الزمن مداواته، لأنه عار معجون بالخيانة والغدر ممن ائتمنته الأمة بأسرها على حياة مواطنيها وأعراضهم وممتلكاتهم، لأن الشيطان دبر المجزرة الدنيئة لتحدث فى مدينة مشهود لها بالوطنية، وإن لم تكن بورسعيد، فقد كان من الممكن أن تكون مدينة «السويس» أو مدينة «الإسماعيلية»، لكن بورسعيد سوف تبقى هى المدينة التى دافعت عن شرف هذه الأمة، وسوف يبقى النادى المصرى غير مسؤول عن هذه المجزرة، وإن كان أحد موظفيه قد أطفأ الأنوار لتتم عملية الذبح فى الظلام، فهذا الموظف هو من استخدمه الشيطان فى تدبير خطة الذبح، واستطاع الشيطان القذر استخدام بعض من البلطجية المجرمين المسجلين خطرا تحت راية الألتراس فى بورسعيد، حيث تمت خديعة الرجل المحترم «كامل أبو على» العصامى الذى كون ثروته من كفاحه وعرقه، ومن حقه أن يدافع عن ناديه الذى ورطه الشيطان القذر فى هذه المجزرة، بورسعيد سوف تظل مدينة الشهداء العظيمة التى دافعت عن الوطن عبر تاريخه ولن تقبل بالعار الذى أراد لها الشيطان القذر أن تحمله، والكرة الآن فى ملعب بورسعيد حتى بعد حكم المحكمة، كرة القدم هى المتعة الحقيقية لأهل بورسعيد، وسوف تظل كرة الدورى العام محبوسة فى ملعب بورسعيد، حتى لو عاد الدورى العام بدون النادى المصرى سوف تبقى الكرة محبوسة فى ملعب بورسعيد وإلى أن تتم معاقبة الشيطان، وحتى يتم ذلك سوف تبقى كرة القدم محبوسة فى ملعب بورسعيد، وقد كنت فى طفولتى وصبايا مولعا بكرة القدم، وفى طفولتى وصبايا كنت أجد تحقق ذاتى وإحساسى بالمساواة وبإنسانيتى فى لعب كرة القدم «الكورة الشراب» فى الشارع، كان شعورى الرائع بانتمائى للفريق الذى كنت ألعب معه فى الشارع لا مثيل له، كان يلعب معنا من هم من أسر غنية مثل الدكتور «إسماعيل فايد» نائب رئيس نادى سموحة الآن، ومن هم متفوقون فى دراستهم، ومن هم فقراء، ومن هم أقوياء البنية، ومن هم ضعاف البنية، لكن الشعور بالمساواة كان يربط بين الجميع، كان الشعور الحقيقى بالمساواة والتحقق الإنسانى هو الذى يؤثر فى حياتى كلها ويمنحنى القوة والصلابة على مواجهة الحياة فى مختلف الظروف والمجالات الأخرى، ففى فريق كرة القدم لا فرق بين «كاكا» الثرى بن الأثرياء و«رونالدينيو» المعدم، أو بين «صالح سليم» و«عوضين» أو بين «شيكابالا» و«حازم إمام»، كرة القدم هى الانتماء للفريق الذى يعطى السعادة للاعب، وهو الذى يعطيه الإحساس بتحقق ذاته أكثر من كل ملايين الدولارات التى لا تعطى الإنسان شعورا بتحقق الذات إنسانيا، لذلك فإن فهم عصام العريان لحقيقة كرة القدم فهم خاطئ فهو الذى صرح بأن كرة القدم لا يجب أن تكون مهنة على عكس حقيقة كرة القدم التى يجب التعامل معها على أنها مهنة حقيقية لا من حيث إنها مصدر مادى لدخل مرتفع للاعب كرة القدم فحسب، بل لأنها العمل الذى يمنح الشاب شعورا بالانتماء الحقيقى الذى يمنحه أيضا شعورا حقيقيا بسعادة حقيقية ويعطيه معنى لحياته وإنسانيته، كرة القدم عمل «مهنة» منذ أن عرف الإنسان «الركل» الذى بدأ من وقت مبكر جداً من الزمن بعد الانتصار فى الحروب حيث يتم «ركل» الجماجم البشرية للأعداء إلى أن تم اختراع كرة القدم «جابولانى» أشهر كرة قدم أنتجت فى عام 2010. فى أوائل الثمانينيات دعيت على العشاء وكان من ضمن المدعوين معى الكابتن «عصام بهيج» وزوجته الفاضلة الفنانة المحترمة «ناهد جبر» وفى هذه الليلة عرف أنى أهلاوى فتحدث معى كثيرا عن صداقته بصالح سليم وشقيقيه عبد الوهاب وطارق، وأن كرة القدم هى التى أعطته الإحساس بالمساواة بهم هم أبناء الطبقة الأرستقراطية القادمون لكرة القدم من حى الزمالك فى القاهرة وهو ابن الطبقة الشعبية القادم من الحى الشعبى فى مدينة الإسكندرية، وليلتها حكى لى حكايات كثيرة فى مشواره الكروى، وتحديدا عن المباراة الثانية له فى حياته مع فريق الزمالك التى كانت أمام الأهلى، وتحدث معى عن السعادة الحقيقية التى افتقدها بعد اعتزاله اللعب فى سن صغيرة، وكم كان انتماؤه للفريق يمنحه إحساسا طاغيا بالسعادة والإنسانية والمساواة، فليس أكل العيش فقط أو الفلوس فقط هى ما يبحث عنه لاعب الكرة، بل هى السعادة المفتقدة فى الانتماء للجماعة التى يتساوى فيها مع الجميع، فيحصل على تحقق ذاته وعلى إنسانيته، لذلك فإن كرة القدم هى المهنة التى يتحقق فيها ذلك، فى أوائل الستينيات كان كابتنى فى الشارع هو الكابتن «النوبى» وكان شديد الفقر والطيبة والنقاء والحرفنة، وكان يشكل منا فى حى امبروزو فريقا يحمل اسم «فريق النوبى» نلعب به مع كل الفرق فى شوارع الإسكندرية، وحدث أن مات زميلنا «حمادة» مصابا بنزيف داخلى بعد سقوطه فى حمام بيتهم وهو الذى كان يقوم دائما بصنع الكرة الشراب لنا، وقادنا الكابتن «نوبى» لحضور جنازة الفقيد مع أهله ودفنه فى مدافن المنارة، وعلى القبر وقف أحد المشايخ وهو ينادى: «الصلاااة يا مسلمين» فتجمع فريقنا ضمن الجميع وأدينا الصلاة على الميت، بعد دفن زميلنا «حمادة» سمعنا صوت الكابتن «نوبى» وهو يقف على البعد زاعقا: «الكوووورة يا مسلمين»، وبعد أن جمعنا قسمنا فريقين 7 صبية فى مواجهة 6 حيث ترك مكان «حمادة» الذى دفناه منذ دقائق خاليا ولعبنا مباراة من خمسة أهداف فى شارع ضيق من شوارع مدافن المنارة بين القبور، وحتى يعود الدورى العام بطعم كرة القدم الإنسانية على كل المهتمين بكرة القدم الوقوف أمام بوابة استاد بورسعيد وهم يصيحون: «الكوووووورة يا مسلمين».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة