براء الخطيب

عمار الشريعى.. عمدة الهوارة وآخر رؤساء جمهورية الموسيقى

الأربعاء، 12 ديسمبر 2012 05:44 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مات كما يموت كل الناس.. وسوف يكتبون عنه ملايين الكلمات، وألوف المقالات، عن ذكرياتهم معه لا عن ذكرياته هو معهم، كيف رأوه هم لا كيف «رآهم» هو.. كيف كان يحبهم، لا كيف «أحبوه» هم.. سوف ينتهزون موته ليكتبوا عن أنفسهم ليرفعوا من أقدارهم بصداقتهم له، لكنهم لن يكتبوا لتبيان قدره، وبرغم ذلك سوف تبقى تتحدث عن قدره سبع رسائل ماجستير وثلاث رسائل دكتوراه من مصر فى كلية التربية الموسيقية، جامعة حلوان، وكلية التربية النوعية، جامعة القاهرة، ومعهد الموسيقى العربية بأكاديمية الفنون، ورسالة دكتوراه من جامعة السوربون بفرنسا.

مات عمار الشريعى ابن أحد أكابر عائلة الشريعى التى قاومت الاحتلال الإنجليزى وشملتها «اللائحة السعيدية» التى وزعت الأرض فيها على المصريين، والتى هى بطن من بطون قبيلة «الهوارة» العربية، ولذلك كانت تحسن تربية أبنائها فاشترى له أبوه «البيانو» فى طفولته، فرأس الفتى فريق الموسيقى بالمدرسة، وفى شبابه ترأس عددا من الفرق الموسيقية وتبناه واحد من أعلام الموسيقى فى تاريخ مصر هو «كمال الطويل»، درس بمدرسة المركز النموذجى لرعاية وتوجيه المكفوفين، وحصل على ليسانس الآداب، قسم لغة إنجليزية من كلية الآداب، جامعة عين شمس عام 1970، ودرس التأليف الموسيقى عن طريق مدرسة «هادلى سكول» الأمريكية لتعليم المكفوفين بالمراسلة، والتحق بالأكاديمية الملكية البريطانية للموسيقى، وبعد تخرجه بخمس سنوات بدأ التأليف والتلحين الموسيقى، فكان أول ألحانه أغنية «امسكوا الخشب» التى غنتها «مها صبرى» عام 1975م وكان من آخرها فى سنة 2012 أغان للمطرب الشاب «أحمد على الحجار»، والمطربة الشابة «سماح سيد الملاح» وما بين سنة 75 وسنة 2012 زادت ألحانه على 150 لحنا لمعظم مطربى ومطربات مصر والوطن العربى وعشرات ألحان الموسيقى التصويرية للعشرات من الأفلام والمسلسلات التليفزيونية والإذاعية والمسرحيات والتى نال معظمها شهرة ذائعة، فتجاوز عدد أعماله السينمائية 50 فيلماً، والتليفزيونية 150 مسلسلاً، وما يزيد على 20 عملاً إذاعياً، وعشر مسرحيات غنائية استعراضية.. مات كما يموت الناس، بعد أن قام بتأليف كونشرتو لآلة العود والأوركسترا ومتتالية على ألحان عربية معروفة وعزفهما مع أوركسترا عُمان السيمفونى عام 2005، شارك بالتعاون مع شركة «ياماها» اليابانية فى استنباط «ثلاثة أرباع التون» من الآلات الإلكترونية، شارك بالتعاون مع شركة إميولتور الأمريكية فى إنتاج عينات من الآلات تقليدية والشعبية المصرية والعربية، ابتكر العديد من الإيقاعات والضروب الجديدة، أعاد صياغة وتوزيع العشرات من المقطوعات الموسيقية والأغنيات، ساهم مع مؤسسة دانسنج دوتس Dancing Dots الأمريكية فى إنتاج برنامج جود فيل Good Feel الذى يقدم نوتة موسيقية بطريقة برايل للمكفوفين، قام بتقديم وإعداد البرنامج الإذاعى العبقرى «غواص فى بحر النغم» لتحليل وتذوق الموسيقى العربية منذ عام 1988.

مات كما يموت الناس.. عضو لجنة الموسيقى «سابقا» بالمجلس الأعلى للثقافة وانضم للجنة الحكماء التى تم تشكيلها أثناء الأيام الأولى لثورة 25 يناير المجيدة وكان فى الصفوف الأولى للمحتجين ضد الذليل المخلوع منذ اليوم الأول لثورة 25 يناير المجيدة، وهو الذى شارك بأوراق عمل لبعض مؤتمرات كلية التربية الموسيقية بالقاهرة حصل على جائزة مهرجان فالنسيا الإسبانى، عام 1986، وجائزة مهرجان فيفييه السويسرى، عام 1989، وجائزة الحصان الذهبى لأحسن ملحن فى إذاعة الشرق الأوسط المصرية لما يقرب من 20 عاما متتالية وجائزة الدولة للتفوق فى الفنون من المجلس الأعلى للثقافة.. مات كما يموت الناس، هو من برج الحمل، وهو الذى ولد فى مدينة «سمالوط» من محافظة «المنيا» فى آخر ثلاثة أيام من برج الحمل وقبل بداية برج الثور بثلاثة أيام وقبل ثورة يوليو بأربع سنوات، وهو واحد من ستة أشقاء، «محمد» سفير مصر الأسبق فى أستراليا، «مراد» وهو المهندس الذى توفى وبعد سنوات وعندما تزوج عمار من رفيقة العمر السيدة الفاضلة «ميرفت القصاص» أنجب منها ابنه فأسماه «مراد» على اسمه و«على» وهو عمدة «منشية الشريعى»، و«نجيب» وهو مهندس، والسيدة «ليلى».. مات كما يموت الناس، لكنه مات أعمى يجيد السباحة إلى حد العشق وفارسا يعشق ركوب الخيل.. مات كما يموت الناس، بعد أن منح العصافير أغانيها، وفى بكاء العصافير اكتشفت أنك رحلت يا أميرى لم تخلف موعدك مع ملائكة الجنة الذين كانوا فى انتظارك، كلما رأيته كان يقول: «السن بالسن والقلب بالقلب والعين موش بالعين»، أجرينا جراحة القلب المفتوح سنة 1986 فى يوم واحد، وعندما رفضت السلطات إجرائى الجراحة على نفقة الدولة وكان «سعيد عبيد» و«على بدرخان» و«محمد جاد» يجمعون لى من الأصدقاء أجر الأطباء دفع لى من ماله الخاص نصف أجر الجراحة، وطلب «على أبوشادى» و«سمير فريد» من المنتج الفلسطينى «حسين القلا» أن يدفع لى أجرى كاملا عن كتابة مسلسل «وتبقى الأرض دائما» فعل وأكملت الجراحة بيدى الجراح المصرى «ذهنى فراج»، ومازال نصف قلبى ينبض بقدر الله وبمال عمار الشريعى، هل أبكيك الآن فى العلن أم أن هناك دائما فرصة للبكاء السرى كما كنت تقول يا أميرى؟ نم، نم هانئا يا أميرى.. فرغم آلام الوطن فإن الوطن كله يبكيك، فقد كنت ترى أكثر منا جميعا، الآن يبكيك الألم فى صوت العصافير وصوت النسغ فى أوراق الشجر، الآن تودعك الأنغام منهكا، وصوت الريح الذى كان عذبا فى أذنيك يتحول إلى عواصف فى آذان الطغاة الذين أنهكت أعمالهم روحك، ومازال صوت الرياح باردا لكنه يدفع الغيوم بعيدا عن النهر لتمطر السحب حليبا لأطفال الفقراء كما كنت تحلم فى يقظتك، الآن أنت ترحل فى الدقيق الذى تخبزه الأمهات للأبناء الذين يستشهدون على أسوار قصر الحكم، الآن ترحل فى صدور الأمهات ليرضع الأبناء كرامة وعدلا وحرية يقاومون بها القتلة، الآن ترحل فى حبات المطر المعلقة على أوراق الشجر، وتهدهد بكفك الحانية قلبى كل ولد وبنت يتلمسان عشقا حلالا يحرمه عليهما المرجفون فيعلو صوت البنات والأولاد بأغنياتك، الآن تموت كما يموت كل الناس لكن يتضاءل تحت قدميك وأمام لحن ينبعث من البيانو القديم كل ملوك الظلام ورؤساء جمهوريات الخديعة الذين أنهكوا قلبك ووضعوا ماء طغيانهم فوق رئتيك، ويسميك الفقراء اليوم رئيسا لجمهورية موسيقى الحرية.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة