لو مر رئيس الوزراء الدكتور هشام قنديل بسيارته على المقاهى الشعبية المكتظة بالبشر فى ميت عقبة، ودار السلام، وبولاق، والمنيرة، وأحمد حلمى وعايدة والشيخ رمضان، وغيرها، لفكر ألف مرة قبل أن يرفع أسعار الدخان والمعسل 150%، فهؤلاء المواطنون من أهالينا وبلدياتنا ليس لهم ناد يرتادونه إلا المقاهى، المكان المفضل للأصدقاء للهروب من زحمة البيوت، ولعمال اليومية والشباب، وأصحاب المعاشات، وغيرهم، وإذا كان كل مواطن قد خصص خمسة جنيهات مصاريف يومية للمقهى «أربعة حجارة شيشة + كوب شاى»، فسوف يرتفع المبلغ إلى 15 جنيها لتقديم نفس الخدمة، أو على الزبون أن يتقشف ويكتفى بحجر شيشة واحد بجانب كوب الشاى. ورغم اقتناعى التام بأن التدخين ضار جداً بالصحة ويصيب بالسرطان، فإننى أؤكد أن الحكومة رفعت الأسعار للجباية، وليس خوفا على المواطن، وأن المواطن لن يقلع عن التدخين بالجبر والإكراه والإذعان، إنما بالإقناع والعلاج.
أسهل شىء تلجأ إليه الحكومات منذ أيام محمد على حتى الآن هو الضرائب، وفى صدارتها السجائر والدخان، لأنها دجاجة تبيض ذهبا، ومهما ارتفعت أسعارها فلا يقلع الناس على التدخين، ويتحمل المواطن الغلبان الأعباء التى تثقل كاهله، ويخرج علينا المدافعون والمؤيدون ويقسمون بأن الضرائب لا تقترب من محدودى الدخل وتحقق العدالة الاجتماعية، وغير ذلك من التبريرات الوهمية الكاذبة. وهناك مبدأ اقتصادى معروف اسمه «إزاحة الضريبة»، فأصحاب المصانع والتجار يهربون منها برفع أسعار السلع والخدمات التى يقدمونها، ولا يدفعون مليمًا واحدًا من جيوبهم، بل من جيوب المستهلكين، ويكتوى بنارهم الفقراء ومحدودو الدخل. احذروا هؤلاء الذين يجلسون على المقاهى، فهم نموذج للشريحة الكبيرة من المصريين، فالدخان بند واحد، وغيره بنود أخرى كثيرة، ولا تضحكوا على البسطاء أو تستخفوا بعقولهم بأسطوانة «لا مساس ولا مسوس»، فليست لهم نزهة إلا المقهى وكوب الشاى والشيشة حتى لو كانت ضارة بالصحة، وليس فى وسعهم أن يتحملوا الزيادات الرهيبة التى تراجعت عنها الحكومة مؤقتا، وتذكروا أن الناس ثاروا على محافظ الإسكندرية الأسبق عادل لبيب لأنه منع «الشيشة» على المقاهى، واعتبروه عدوا لهم يحاربهم فى أرزاقهم، رغم مقصده النبيل بأن يجعل المدينة خالية من التلوث، وأين يذهبون إذا أصابتهم الضرائب بالعجز، وعدم القدرة على تحمل نفقات أبسط شىء فى الحياة، وهو الاستمتاع بالجلوس على المقهى؟
أما إذا كانت الحكومة تبكى على صحة المواطنين - ولا أظن ذلك - وتريد إقلاعهم عن التدخين، فليست الضرائب هى الحل، بل برامج التوعية المجتمعية والصحية التى تتطلب مئات الملايين من الجنيهات من جيبها، وليس استلابها من الغلابة تحت مبررات زائفة. وإذا عادت الحكومة لفرض هذه الضرائب بعد تمرير الدستور والانتخابات البرلمانية، فهى تضيف لخصومها شريحة كبيرة لا تعمل حسابها، وفى صدارتهم رواد المقاهى، والزبون الذى ليس فى جيبه إلا خمسة جنيهات، فبينهم وبين الشارع والمظاهرات والاعتصامات «فركة كعب»، ففكروا وتريثوا، وتذكروا أن أعظم الحرائق تأتى من «مستصغر الحجر».