ما إن يتحدث أحد من حزب الحرية والعدالة أو من جماعة الإخوان المسلمين، تعليقا على الاحتجاجات الواسعة التى تشهدها مصر، عقب الإعلان الديكتاتورى الذى أصدره مرسى، إلا ويقول إن مرسى رئيس شرعى مدنى منتخب، وليس من حق أحد أن يسلبه هذا الحق، وبالتالى فهو يصف أى احتجاج على مرسى بأنه «خروج على الشرعية»، بل زاد البعض فى الأمر - واعتبر الشيخ محمد عبدالمقصود أن إهانة مرسى هى إهانة لله عز وعلا، ولذا كان لابد لنا من وقفة عند مثل هذه الأقاويل التى لا تثبت عند التأمل، فبالشروط المدنية لا يحق لرئيس مهما كان منتخبا أن يستبد بالناس، وأن ينصب من نفسه ديكتاتورا، فالديمقراطية أوجبت احترام الشعب للرئيس المنتخب حقا، لكن ذات الديمقراطية أوجبت على الرئيس أن يحترم شعبه وتعهداته إليهم، وفرق كبير بين الشرعية وصكوك العبودية، وجرى العرف فى الدول الديمقراطية، أن يتم إجراء انتخابات مبكرة إذا ما فشل الرئيس فى إقناع شعبه به، أو إن سلك طريقا منحرفا عن إرادة الجماهير، وتلك العادة هى التى تصون للبلاد استقرارها، فخير للجميع أن يجرى الرئيس انتخابات مبكرة، ليجدد العهد مع الناس أو ليلغيه، ولا يعنى هذا أننى أدعو الدكتور مرسى إلى إجراء انتخابات مبكرة، لكنى فقط أذكر من يتشدقون بالديمقراطية ببعض الممارسات الديمقراطية المعروفة.
نعم، الناس انتخبت مرسى وأصبح أول رئيس مدنى منتخب بعد الثورة، لكن من المعروف أيضا أن العقد شريعة المتعاقدين، وتلك قاعدة شرعية ومدنية متفق عليها، فمن أراد الديمقراطية فليأخذها كلها، ومن لا يريدها فليتركها كلها، ومن شروط الديمقراطية البدهية أن يصون الرئيس دولة القانون، وأن يحفظ التعهدات وأن يوفى بالالتزامات، ولم يحدث أن انتهك رئيس هذه «الدولة» مثلما انتهكها مرسى، فقد تعهد مرسى بتقنين وضع جماعته إذا ما فاز، ولم يحدث هذا، وتعهد بإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية ولم يحدث، وتعهد بعدم طرح الدستور للاستفتاء إلا بعد أن يحدث توافق عام حوله، ولم يحدث هذا، وتعهد بأن يصون الدستور ويحفظ القانون، ولم يحدث، وتعهد بأن يكون رئيسا لكل المصريين ولم يحدث، وتعهد بالحفاظ على حرية الصحافة والإعلام ولم يحدث، وكل ما حدث هو عكس ما تعهد به، فرأينا كيف أمر بسلق الدستور، وكيف رأى جماعته «تبلطج» على الناس، وكيف يحابى جماعته وحلفاءه بالمناصب الرفيعة، وكيف ينتهك القانون ويسطو عليه، وكيف يأمر أتباعه بمحاصرة المحاكم والقنوات والصحف، وكيف أخل بتعهداته فيما يخص الدستور والجمعية التأسيسية، وكيف حنث بقسمه أمام الناس، وهو ما يعد انتهاكات صارخة لعقده مع الناس وهو ما يخلع عنه ثوب الشرعية تماما.
كل هذا فى جانب، وسماحه لأتباعه بفض اعتصام القوى الثورية بالقوة وسماحه لهم أيضاً بسحلهم وضربهم واعتقالهم وقتلهم فى جانب آخر، فنقطة الدم التى تسيل من «مصرى» كفيلة بأن تنزع الشرعية من أى رئيس، وإنى لأعجب ممن يعرفون أن حرمة دم المسلم عند الله أكبر من حرمة بيته الحرام، ومع ذلك يتشدقون بشرعية مرسى، ويدعون أنه رئيس شرعى، وأن أى احتجاج عليه هو خروج على الشرعية، وأعجب أيضاً ممن يتلون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلا شَرْطًا حَرَّمَ حَلالا، وَأَحَلَّ حَرَامًا»، ثم يرون كيف أخل مرسى بشروط شرعيته، وكيف أحل حراما وحرم حلالا، ثم يقولون إن مرسى رئيس شرعى.