د. نعمان جلال

العمل العربى المشترك بين أهل الثقة وأهل الخبرة

الجمعة، 14 ديسمبر 2012 11:16 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قدم عالم الاقتصاد الإيطالى باريتو Pareto فى أوائل القرن العشرين نظرية أطلق عليها نظرية 20-80 وخلاصتها أن 20% من الإنتاج يقوم به 80% من الموظفين مقابل أن 80% من الإنتاج يقوم به 20% من الموظفين، وبذلك لو تم الاستغناء عن عدد من فريق الـ80% من الموظفين فلن يؤثر ذلك فى الإنتاج بخلاف لو تم الاستغناء عن أى عدد من فريق 20% من الموظفين فإن ذلك سيترك أثراً فى الإنتاج ويؤدى لتدهوره. وأوضح صاحب النظرية أن مهمة القائد الناجح هو السعى لإعطاء مسئوليات اكبر لفريق 20% من الموظفين وفى نفس الوقت السعى لزيادة أو تحسين أداء الـ80% بقدر الإمكان.
إن العمل العربى المشترك للأسف يعتمد نظرية عكسية تقوم على الإطاحة بالـ20% الذين ينتجون 80% من الإنجازات وزيادة عدد الـ80% الذين يقدمون القليل. ومرجع ذلك هو ما أطلق عليه نظرية أهل الثقة وأهل الخبرة حيث يعتمد العمل العربى المشترك على نوعين من أهل الثقة. أولهما الموثوق به بالنسبة لرئيس العمل أو الأمين العام للمنظمة أو الرئيس أو المدير التنفيذى وفقا للتسميات فى كل منظمة عربية، وثانيها الموثوق به من الدول الأعضاء، وفى كلتا الحالتين فان الموثوق به فى معظم الحالات لا يتمتع بالخبرات الضرورية للقيام بالمهام التى تستند إليه، فى حين أهل الخبرة يتوارى دورهم وربما يتم الاستغناء عنهم لسبب أو لآخر.
وتجربتى من واقع الاحتكاك بالعمل العربى المشترك عندما عملت مندوباً دائماً لمصر فى جامعة الدول العربية ومن واقع متابعته بعد ذلك عن بعد، تظهر أن الدكتور عصمت عبد المجيد أمين عام جامعة الدول العربية الأسبق، كان يعتمد نظرية أهل الثقة وأهل الخبرة ولكن من منظور 20-80 أى 20% من أهل الثقة المقربين جدا من طبيعة عمله والذين يفهمون شخصيته وكان فى مقدمة هؤلاء السفير الممتاز رحمة الله أحمد عادل مدير مكتبه، فى حين أنه اعتمد بدرجة كبيرة على شخصيات جمعت العنصرين أى أهل الثقة وأهل الخبرة وكان فى مقدمة هؤلاء المستشار طلعات حامد المستشار الإعلامى له، وعندما ترك الدكتور عصمت وجاء بعده عمرو موسى كان منطقيا تغيير المقربين من د.عصمت، فتقاعد السفير أحمد عادل فى حين أن المستشار طلعت حامد باعتباره جمع الثقة والكفاءة أسندت له مهام أخرى تميز وتفوق فيها، وبعد إنشاء البرلمان العربى بعد قمة تونس 2004 أصبح طلعت حامد أمين عاماً مساعداً للبرلمان العربى بصفته خبيراً وذا كفاءة عالية، وكان الأمين العام هو السفير عدنان عمران من سوريا وبعد أن أنهى فترته الأولى وثم التجديد له وقعت أحداث سوريا واستقال أو أقيل لا أدرى، وتم اختيار المستشار طلعت حامد أمينا عاماً له، وكان هذا الاختيار مستنداً على الكفاءة والخبرة فى حين كان اختيار عدنان عمران اختياراً سياسياً رغم انه كان سفيراً ووزيراً للإعلام وهو كفء كدبلوماسي، ولكن العمل العربى المشترك له ظروف خاصة، ولن نتعرض لما آل إليه وضع الجامعة العربية بعد د. عصمت عبد المجيد ولكن يهمنى أن أشير إلى أن معادلة 20% من أهل الثقة و80% من أهل الخبرة لم يتم الاحتفاظ بها، بل ربما حدث العكس تماماً، ولاشك أن كل أمين عام له نظرته وله ظروفه وفكره وخطته التى يسعى لتنفيذها والحكم بما له وما عليه متروك للآخرين، لأننى أعتبر غير محايد إذ إن الأمناء العامين الثلاثة عملت معهم وتعلمت منهم وأعتبرهم قدوة لى وأساتذة رغم أن كل منهم شخصية مختلفة تماماً عن الآخر، وأنا بدورى أخذت من كل منهم ما رأيته يناسبنى وتركت ما لا يناسبنى.
المهم الآن أن البرلمان العربى على المحك فى هذه المرحلة الدقيقة ليس فقط من تطوره بل من تطور العمل العربى المشترك. وأقول على المحك لأن الظروف العربية المتغيرة تحتاج ذوى الكفاءة والخبرة بأكثر مما تحتاج ذوى الثقة. وقد رأينا كيف أودى ذوو الثقة برئيس عربى لدولة مهمة فى أخطاء متكررة وتصادمات مع قوى عديدة فى المجتمع، لأن أهل الثقة عادة لا يفهمون أهمية الرأى الآخر، ولا يقدمون التحليل السليم للموقف، وإنما هم أحد فريقين إما فريق القبول والامتثال والتنفيذ أياً كانت النتائج، وإما فريق تقديم النصح والاستشارة وفقا لرأى وميول الرئيس، وكلتا الحالتين خطيرة بالنسبة للرئيس. واخلص مما سبق أنه لو كان الأمر بيدى لنصحت أصحاب القرار بالنسبة للبرلمان العربى وقد تم تحويله من برلمان مؤقت إلى برلمان دائم مما يستلزم تواصل الاستفادة بذوى الخبرة ولذا فان الفكر المتروى والعقلانى يقضى بإعطاء فترة ثانية للمستشار طلعت حامد حتى يمكن أن تعبر سفينة البرلمان العربى الأمواج العاتية للعمل العربى المشترك. والاستفادة من خبرته المتميزة، وأعجبنى الرئيس أوباما على سبيل المثال أنه عين منافسته فى الانتخابات هيلارى كلينتون وزيرة خارجية ومنحها كل الثقة والصلاحيات فى إدارة السياسة الخارجية، كما عين وزير الدفاع الأسبق Robert Gates فى عهد الرئيس بوش وهو من الحزب الجمهورى وزيراً للدفاع، وظل فى منصبه حتى قرر هو بنفسه الاستقالة للاستعداد للعمل السياسى الحزبى، فالرئيس القوى يختار مساعدين ومعاونين ذوى كفاءة وقوة وذوى شخصية، فى حين الرئيس الضعيف يختار مساعدين له ضعفاء، وهذا هو الفارق الجوهرى بين الدول التى تصعد فى معراج التنمية وتلك التى تهبط وتنهار، وأسوق مثالاً آخر من الصين فالزعيم الصينى دنج سياونج اختار جيانج تزمين رئيسا للدولة واختار جورونجى رئيسا للوزراء وهما شخصيتان متكاملتان قويتان كل له خبرته ورؤيته، ثم جاء بعدهما ثنائى خوجنتاو، ووين جياباو وهو نفس الحال إذ هما شخصيتان قويتان، والشخصيتان المرشحتان بعدهما بنفس القوة والتوازن وهما أمين عام الحزب المرشح رئيساً للدولة Xi Jinping وكذلك الشخصية المرشحة رئيساً للوزراء، ولاشك أنه إذا اختار رئيس دولة ما رئيساً ضعيفاً للوزراء ومحدود الخبرة والكفاءة على أساس أنه من أهل للثقة، فإن الأداء سيكون ضعيفا لأن المناصب القيادية العليا لا تحتمل مثل هذه الاختيارات التى تعتمد على الأهواء أو العشوائية أو أهل الثقة الذين تتكرر أخطاؤهم، فالمؤمن كيس فطن، ولا ينبغى أن يلدغ من جحر مرتين.
كان الله فى عون العمل العربى المشترك فى هذه المرحلة الملتبسة وحمى الله مصر كنانة الله فى أرضه، وحمى الله جميع أراضى العروبة وبلاد الإسلام وكما قال العلامة الباكستانى محمد إقبال إذا ضعف العرب ضعف الإسلام فالعرب هم لحمة الإسلام ومحوره. هل يدرك العرب شعوبا وحكاما معزى هذا القول من مسلم باكستانى مشهور نبض قلبه دائما بحب الإسلام والعرب وتباكى على انقسام العرب وصراعهم فيما بينهم وضعفهم.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة