تخطئ المعارضة إذا تصورت أن المظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات يمكن أن تطيح بالرئيس مرسى، أو أن تجعل مصيره مثل سابقه مبارك لعدة أسباب: أولها: أن مرسى له جماعة وأهل وعشيرة تناصره وتدعمه وتنكل بمعارضيه، وتحشد له عشرات الآلاف فى الميادين وتنتشر فى وسائل الإعلام، بعكس مبارك الذى هوى حزبه فى أيام ولم يجد حليفا ولا نصيرا من الذين احتشدوا حوله "فى الحلوة" وتركوه وحيدا " فى المُرة".. ثانيا: لأن الجيش الذى أسقط مبارك وسحب سجادة الحكم من تحت أقدامه لن يفعل ذلك مع مرسى ولن ينحاز إلا لـ "شرعية الصندوق" التى مازالت حتى الآن فى صالح مرسى، أيا كانت الاتهامات المثارة بشأن تزوير الاستفتاء.. ثالثا: ولأن المسرح السياسى ليس فيه قوة منظمة تستطيع أن تكون بديلا للإخوان إلا الإخوان، وبقية الأحزاب ضعيفة وكرتونية وائتلافات ثورية ليست كيانا واحدا ولا قوة مؤثرة.
ويخطئ الرئيس وحزبه وجماعته إذا استقووا بـ"نعم" فى استفتاء الدستور، وأسرفوا فى استعراض القوة والاستخفاف بالمعارضين والخصوم واستكمال التهام كعكة الحكم، ولم ينظروا إلى الـ 45٪ الذين قالوا "لا" قبل 55٪ قالوا "نعم" فلم يكن تصويتا على الدستور، ولكن على من هم مع الرئيس والإخوان ومن هم ضدهم، وإذا كان العدل أساس الملك فالمشاركة أساس الحكم، وأقل من نصف الشعب بقليل ليسوا مع الرئيس وليس الرئيس معهم، ويزداد الموقف سوءاً لو استمر نزيف الصندوق وارتفع ترمومتر الرفض، لو واصل الرئيس وحزبه وجماعته سياسة الاستحواذ والتكويش والإقصاء وسياسات وإجراءات الانتقام وتصفية الحسابات، مع الوضع فى الاعتبار أن الإخوان فقدوا ميزة أنهم كانوا يستثمرون المشاكل والأزمات وهم فى المعارضة، والآن يستثمر الآخرون أخطاءهم ويعلقون فى رقبتهم كل المشاكل والأزمات.
"نعم" لن تبنى مؤسسات الدولة ولن ترسخ دعائم حكم الإخوان، وبدون "لم الشمل" قولا وفعلا - وليس مناورة وتدليسا - لن يستطيع الرئيس وحزبه وجماعته أن يحققوا للبلاد الأمن والهدوء والاستقرار، لتسترد عافيتها الاقتصادية وتلبى احتياجات الناس الضرورية، وإذا لم يحدث ذلك بأقصى سرعة فلن يستطيع نظام الحكم أن يوقف موجات الغضب والاحتجاج الحقيقية التى سوف تندلع لأسباب تتعلق بالفقر والغلاء والأسعار ولقمة العيش، وأقصر طريق للخروج من النفق المظلم هو "التوافق" مع المعارضة وتهيئة الأجواء لها لتنال نصيبها العادل من ثمار الثورة، بدلا من إستعدائها إستهدافها والترصد بها وتصفيتها وإخراجها من المولد بدون حمص.
"نعم" قد تكون بوابة جهنم إذا استمر الاستقطاب الحاد الذى جعل أبناء الوطن الواحد إخوة أعداء، يقتتلون فيذهب بعض قتلاهم للجنة وبعضهم للنار حسب فتاوى مشايخ جعلوا البلد الواحد بلدين "مصر المسلمة" فى حرب مع "مصر الكافرة"، والشعب الواحد شعبان، أولهما يعتصم فى الاتحادية ويأكل الجبنة النستو وعلب فول أمريكانا والتفاح الأمريكانى، والشعب الآخر يجاهد أمام مدينة الإنتاج الإعلامى ويلتهم لحوم الجمل والعجل والخراف الثلاثة .. ويفصل بين هؤلاء جهاز شرطة مغلوب على أمره، يواجه القتلة والبلطجية والخارجين على القانون بالفر والهروب والانسحاب، وكان الله فى عونهم فمن لسعته نار "موقعة الجمل" ينفخ فى زبادى الاتحادية.
"نعم" لن يكون لها قيمة إلا إذا وحدت ولم تفرق وضمدت الجراح ولم تنكأ جراحاً ملتهبة، وتفتح أبواب المصالحة وتوقف شريعة الغاب وتعيد لمؤسسات الدولة هيبتها ووقارها واحترامها، وترد اعتبار دولة القانون التى تمت استباحتها على أبواب المحكمة الدستورية، وإعادة اللحمة والسمو لقضاة مصر بدلا من الفرقة والتشاجر والتوهان فى دهاليز السياسة الملعونة.. "نعم" سيكون لها قيمة كبرى إذا شعر الناس أنهم انتخبوا رئيسا لكل المصريين، يخاطب حماستهم وتسامحهم ولا يلجأ أبداً إلى التهديد والوعيد، رئيس يضيف إلى رصيده كل يوم مؤيدين ومناصرين ومقتنعين، وليس خصوما وكارهين.