فى مطلع سبتمبر الماضى حرص الرئيس محمد مرسى على مشاركة فلاحى مصر، عيدهم السنوى، وأن يبشرهم بانتهاء عصر الطغيان والاستبداد، وانتشال الفلاحين من مستنقع الفقر والعذاب والغلاء والاستغلال والانتقال من العيش على هامش الحياة، إلى عصر الحقوق ورفعة شأن الفلاح، باعتباره عماد الإنتاج ومهد العطاء ومصدر الخير والنماء، وخرج الفلاحين من الاحتفال فارحين مستبشرين متجاوزين أزمة الإهانات التى تعرضوا لها أثناء دخولهم قاعة الاحتفالات، بعد اعتذار الرئيس لهم، وخاصة أنهم خرجوا محملين ببشائر الخير، بعد إعلان الرئيس سقوط ديونهم التى تقل عن 10 آلاف جنيه، ووعد بدراسة إسقاط الديون التى تزيد عن هذا المبلغ، بالإضافة إلى تحديد سعر طن الأرز بما لا يقل عن 2000 جنيه.
حزمة الفرح التى حملها الفلاحين عائدين بها من أضواء القاهرة، إلى حقولهم لم تدم طويلاً بعدما اكتشفوا أن قرارات الرئيس التى أعلن عنها فى المساء تبخرت مع قطرات الندى من فوق الزروع فى الصباح، فبعد مرور ثلاثة أشهر على قرار الرئيس لم تسقط الديون، بل قام بنك التنمية والائتمان الزراعى بملاحقة الفلاحين قضائيا، ومحاولة القبض عليهم واثارة الرعب فى قلوبهم وتهديدهم بالحبس والاستيلاء على قراريطهم، إن لم يتم دفع المبالغ التى حصلوا عليها وفوائدها الضخمة.
السؤال الذى يطرح نفسه، هل كان الرئيس يكذب على الفلاحين؟ أم صدر قرارا بالفعل بإسقاط الديون والحكومة لا ترغب فى تنفيذه لإحراج الرئيس؟ أم يتم تأخير تنفيذ القرار حتى تقترب انتخابات مجلس الشعب ويقوم حزب "الحرية والعدالة" بالتنفيذ وإسقاط الديون مقابل الحصول على الأصوات؟ أما أن الرئيس أصبح غير قادر على تنفيذ أى قرار على أرض الواقع؟ أم كان الرئيس يقدم وعودا لفلاحين فى دولة أخرى؟ أم أن بنك التنمية والإئتمان الزراعى المملوك للدولة خرج عن سيطرة الحكومة والرئيس يعمل وفق مزاج القائمين عليه، وضرب عرض الحائط بقرارات الرئيس.
إذا كان الرئيس لم يلتزم بكلمته للفلاحين، أو عجز عن تنفيذ قرار لصالحهم، أو رفضت جهات حكومية وبنكية تنفيذ القرار، فيجب عليه الاعتذار لهم فوراً، باعتباره المسئول الأول عن ذلك، ومعاقبة المسئولين عن تأخير تنفيذ القرار، أم أن الفلاحين سقطوا من حسابات الرئيس، وتركهم فريسة للبنك والحكومة تفعل بهما ما تشاء، وكأنه يعاقبهم على عملهم وإنتاجهم فى الوقت الذى تعاقب قيه الفئات الوظيفية الأخرى الحكومة والرئاسة والمجتمع ككل، من خلال الاحتجاجات الفئوية والإضرابات عن العمل، وتجبر الحكومة والرئاسة على الاستجابة لمطالبها، أما الفلاح فلا يعرف الإضراب إليه سبيلاً، فقد تربى على الصبر والتحمل والبذل والعطاء، وليس المتاجرة بالكلام فكان جزاءه النكران وعدم الوفاء بالوعود.
لقد اضطر مرسى، إلى التراجع فى كثير من القرارات نتيجة ضغوط شعبية، وأُجبر على تلبية طلبات كثير من الفئات، بينما أهمل الفلاحين، وتركهم يصارعون الظلم وحدهم، ظناً منه أنهم بلا صوت ولا يحدثوا ضجيجا ولا صراخا فى الشارع، إذا كان الأمر كذلك فإن الرئيس يكون قد عاقبهم مرتين، الأولى على التزامهم وحرصهم على العمل والإنتاج والبعد عن الإضرابات الفئوية، والثانية بقتل الأمل فى نفوسهم بعد الكذب عليهم بإسقاط الديون، ولم يكتف بذلك بل يعتزم رفع أسعار الأسمدة، ليزيد الأعباء عليهم، دون أن يدرك أن الفلاح لن يستطيع أن يتحمل مزيداً من الأعباء والضغوط، بل ستؤدى تراكمات الظلم إلى إثارة غضب الفلاحين وانضمامهم إلى قائمة المضربين والمعتصمين، لتفقد مصر اليد التى تطعمها، ويصبح الوطن عرضة للمجاعة والخطر.
إن فلاحى مصر الذين عاشوا على هامش الحياة قرونا طويلة، يجب ألا يكونوا ضحية جديدة للصراعات السياسية، والأخطاء الحكومية، وأن يسارع الرئيس بتنفيذ وعوده وقرارته لصالحهم، وإنقاذهم من بطش البنك وطغيانه ومزاجية موظفيه، فلم يكن البنك وحده الذى خذلهم فى تنفيذ قرار الرئيس، بل تركهم الرئيس والحكومة فريسة لتجار الأرز، فبعدما أعلن الرئيس أن الحكومة سوف تتسلم الأرز بما لايقل عن 2000 جنيه للطن، لم يتم وضع ضوابط لاستلام المحصول فى المضارب، وتُرك الأمر للتجار يحصولون على الغنيمة وبقى الفلاح لا حول له ولا قوة.
للآسف فى عيد الفلاح خرج الفلاحون من لقائهم بالرئيس بثلاث طعنات بعد إهانتهم أثناء دخول القاعة، إلى تركهم فريسة للتجار دون حماية أو ضوابط، ثم كانت المفاجأة تبخر قرار إسقاط الديون، وتركهم لقمة سائغة للبنك والشرطة تلاحقهم فى الحقول والغيطان، فهل ينقذهم الرئيس، أم ويتركهم يواجهون مصيرهم مع بحور الشر.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة