لا تقوم البلاد على الوعود والأمنيات، وإنما تنهض وتتقدم بالثقة، ثقة شعبها فيها، وثقة شعبها فى حاكمها وثقة شعبها فى مؤسساتها، وثقة الحاكم فى الشعب، هذا كله يؤلف ما يعرف بالتآلف الوطنى، أو الانتماء الوطنى، ولو سألتنى لماذا يقف شباب الثورة على أقدامهم حتى الآن برغم ما يتعرضون إليه من قتل وسحل وضرب واعتقال ومحاصرة وتخوين وتكفير، فسأقول لك إن السبب هو الثقة، فهم يثقون فى بعضهم البعض، يدافعون عن بعضهم حتى لو اجتمع العالم عليهم، لا يبخلون بأرواحهم ولا نور عيونهم من أجل مبادئهم، لا يفقدون الثقة فى وطنهم لحظة واحدة، يقفون بصدر عار وصوت عال أمام متاريس القهر والجهل والمرض والتضليل، يحققون الانتصار بعد الانتصار، ويتجرعون الهزيمة بعد الهزيمة، فلا يغرنهم انتصار وفخر، ولا تنال منهم هزيمة أو استضعاف.
سنتان مرتا على بداية الثورة، ومازالت الشوارع قادرة على استيعاب مئات الآلاف من شباب الثورة المخلصين المتفانين، هم نواة قلب مصر، تتحد عليهم الأنظمة، وتتكالب عليهم المؤسسات، وتحاصرهم الاتهامات، فيعودوا أغرابا كما بدأوا، ثم يتجمعون مرة أخرى ليشكلوا طليعة موجة أخرى من الثورة، لا تغيم أولوياتهم، ولا تتبدل مبادئهم، ولا تنحرف بوصلتهم، عيبهم القاتل وميزتهم الفريدة فى آن أنهم ليسوا نظاميين، لا تجمعهم صافرة ولا تفرقهم عصا أو أمر، فجامعهم الوطن، والخيانة وحدها هى ما تشتتهم قليلا، ثم سرعان ما ينزعون الأقنعة عن الخائنين، ويصفون صفوفهم مرة أخرى، ليتخلصوا رويدا رويدا من عبيد الكرسى تارة وعبيد الكاميرا تارة وعبيد المرشد تارة، وعبيد الأموال تارة، وعبيد المصالح تارة، ليبنوا وطنا من الأحرار فحسب، ولا عجب فى هذا لأنهم أول من اختاروا أحد المصيرين، أن يعيشوا أحرارا، أو يموتوا أبطالا.
يخوض شباب الثورة الآن أم المعارك، معركة التغلب على الفقر والجهل والأمية والتضليل، ولأنهم واثقون، يحرزون التقدم عقب التقدم، وليس أدل على ذلك من إعلان النتائج الأولية للاستفتاء على دستور الإخوان المشوه والتى أكدت أن رفض الدستور كان سمة غالبة فى العديد من المحافظات، وأن الموافقة على الدستور لن تمر إلا بنسبة ضئيلة لا تكفى لتحدث توافقا حوله، ولا تكفى لتقيم وطنا راسخا، فالاستفتاء على الدستور ليس كانتخابات الرئاسة ولا انتخابات المجالس التشريعية والرقابية، لكنه عقد بين المواطنين والدولة ومؤسساتها، وما أبأس من أن يكون النصف غير موافقين على هذا العقد ليظل الوطن متأرجحا مرتجلا متخبطا.
أنظر إلى نتائج الاستفتاء وأتأكد من أن الحقيقة الواحدة التى لا تقبل مناقشة هى أن الثورة ستنتصر مهما طال الأمد، فهذا الدستور الذى استخدم طابخوه كل وسائل الضغط والحشد من أجل تمريره لم يحز أغلبية كاسحة ولا حتى مقبولة، فبعد التزوير العلنى، والتسويد الكثيف، وتقفيل اللجان وتعطيل الاقتراع فى المناطق الرافضة للدستور، ومنع الأقباط من الإدلاء بأصواتهم فى أكثر من محافظة، وبعد العديد من المفارقات غير المنطقية خاصة تلك التى وقعت فى محافظات الصعيد التى يعتبرها التيار الإسلامى منفذه للتزوير ناسيا أنه أجج الفتنة وجعل المنافسة بين المسلمين والمسيحيين ثم لم يراع ضميره حتى وهو يزور وجعل المناطق ذات الكثافة السكانية المسيحية تقول نعم للدستور بنسبة مهولة، بعد كل هذه الاختراقات والخروقات والتزييفات لم يستطع الإخوان ومن تأخون أن يحققوا انتصارا كما يشتهون، وحتى إن نجحوا ومرروا هذا الدستور الأبله، فلن يستطيعوا أن يجمعوا شعب مصر على كلمة سواء، ولن يستطيعوا أن يتقدموا بنا إلى الأمام، وذلك لأنهم فشلوا فى أول استفتاء أجروه وهدموا كل جسور الثقة بينهم وبين الشعب. وقد سألت فى استفتاء أمس هل يصبح استفتاء أمس نهاية الإخوان كما كانت انتخابات 2010 نهاية الحزب الوطنى فمن الواضح أن الإجابة اقتربت كثيرا من «نعم».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة