مهما حاولت أن تنسى فمن المؤكد أنك فاكر.. لأن الأشياء التى تجرح الرجولة وتكشف نواقصها من المستحيل أن تمحوها أيام وشهور أوعام كامل يعانى من زحمة الأحداث.. أيوه بشويش رجع الشريط.. أيوه من أول اللقطة اللى العسكرى بيشدها فيها ويرميها على الأرض.. بشويش بقى شوفت سحلها ازاى.. شوفت عراها ازاى.. شوفت لون ملابسها الداخلية.. شوفت قسوة الضرب بالشلاليت فوق صدرها وبطنها.. شوفت كانوا كام راجل على واحدة ست.. خلصت المشهد، وشعرت بما يكفى من الأسى ووجع الكرامة!!
انتظر فأوقح ما فى هذا المشهد لم نتذكره بعد.. أقبح ما فى هذا المشهد الذى تم فيه سحل وتعرية بنت مصرى على أرض ميدان التحرير هو ظهور شيوخ ورجال دين كان على رأسهم الشيخ المذيع خالد عبد الله وهو يصرخ فى برنامجه لا مستنكرا سحل البنت وتعريتها ولكن يصرخ شامتا فى البنت وما حدث لها قائلاً: «وهى إيه اللى وداها هناك»، ثم بدأ فاصل تحليلى للملابس التى ترتديها والعباية أم كباسين فى إيحاءات واضحة للنيل من سمعة الفتاة وأخلاقها.
فى هذه الأيام نعيش ذكرى أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء والفتاة المصرية التى تم سحلها وتعريتها على يد جنود الجيش دون أن يتمتم أحد هؤلاء الشيوخ بكلمة حق أو غضب فى وجه المجلس العسكرى، عام كامل ذهب ولم يبق منه سوى العار الذى يكلل الرجولة المصرية ولحى الشيوخ الذين ينتفضون غضبا بسبب هتاف ضد محمد مرسى ولكنهم كانوا أعجز وأجبن من أن يعترضوا على سحل وتعرية وانتهاك عرض فتاة فى شوارع مصر على الهواء مباشرة، ليشعر المصريون بصراخها وآلامها التى فضحت سلطة تدعى الشرف، وعرت مجتمعا يعانى من جملة أمراض نفسية حينما يتعلق الأمر بالنساء.
هذه حقيقة مؤسفة يا صديقى.. هل تتخيل مثلا أن رجال مصر الذين لم ينتفضوا ولم يألموا لتعرية وسحل فتاة التحرير كانوا أكثر الناس رفضا لوضع أسماء أمهاتهم فى البطاقات الشخصية القديمة إجلالا واحتراما لها على اعتبار أن اسمها حرمة يجب ألا تنتهك من جانب موظف عابث أو ضابط غاضب، أو صديق ساخر، وهم أنفسهم الرجال الذين اخترعوا لقب الجماعة والحكومة لإطلاقه على أهل المنزل من النساء تجنبا لذكر أسمائهن على أذن غير أمينة، أليس غريبا أن يمر أمر التعرية والسحل وانتهاك حرمات النساء مرور الكرام على رجال يحملون فى جعبتهم العقلية هذا النوع من الثقافة؟!.
العام الماضى وردود الفعل المخزية على سحل الفتاة وتعريتها لم تبدد مخاوفى بل تستدعى إلى ذاكرتى الكثير من الخوف كلما نظرت فى عيون طفلتى حينما تبكى وأشعر وكأنى أسألها هل تخشين المشاركة فى صناعة مستقبل وطن انشغل أهله بألوان ونوع الملابس الداخلية للفتاة المسحولة، أكثر من انشغالهم بانتهاك الأعراض والاستقواء على امرأة علمنا ديننا وأخبرتنا تقاليدنا أنه فعل أشد خسة من أفعال الشيطان؟! هل تخافين ياسيدتى من الحيوانات الذين تباحثوا أمر ارتداء شقيقتك المسحولة لقطعة ملابس واحدة، وكأن كل فتاة فى مصر وجب عليها أن ترتدى ما فى دولابها لأنها لن تجد رجالاً يحمونها فى الشوارع إذا تجرأ أحدهم وتحرش بها؟!
لا تخافى يا صغيرتى، فالنساء فى أرضنا الطاهرة وداخل العقول المحترمة، والنفوس المتزنة، ملكات وضعهن الطبيعى فوق الرؤوس، سيرتهن وأجسادهن خط أحمر، أنا لست خائفا عليك، لأن تاريخ هذا الوطن علمنى ألا أخاف، ولأنى على يقين أنك مثلك مثل أولئك المنحوتات على جدران المعابد والأهرام قويات شامخات، ومثلك مثل اللاتى خرجن أكتافهن فى أكتاف الرجال فى مواجهة الرصاص والقنابل والضرب والسحل بلا خوف ولا تراجع.
لا تخافى يا صغيرتى وأعيدى لعيونك بسمة الشجاعة مرة أخرى، مثلك مثل تلك التى عايرها أهل التيار الإسلامى بملابسها ولم يغضبوا لتعريتها وسحلها، ولم يفهموا أبداً أن الله سترها حينما غيب وجهها عن الكاميرا ولكنه فضحهم هم، حينما لم يغيب مواقفهم عن التاريخ.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة