وفقًا لقواعد الديمقراطية لا تُنتقص شرعية الرئيس إذا فاز بفارق 1% فقط، ولكن يتآكل رصيده إذا لم يستجب لمطالب الذين لم ينتخبوه قبل الذين أيدوه، لأنه بمجرد القسم يصبح رئيساً لكل المصريين، وليس لجماعته وحزبه وعشيرته فقط، ولعل غياب هذا المفهوم عن فريق مؤسسة الرئاسة هو الذى يعيد إلى الشارع هتافات 25 يناير التى تطالب بإسقاط النظام، الذى لم يمض عليه أكثر من خمسة شهور، وعيب الرئاسة والجماعة وحزب الحرية والعدالة أنهم أداروا ظهورهم لمعارضيهم، فأصبح شركاء الأمس هم أعداء اليوم، وانتقل رموز المعارضة مثل حمدين، والبرادعى، وأبوحامد، وجورج إسحاق، من حلفاء فى الميدان، إلى عملاء وخونة ومرتدين، وتطاردهم اللعنات والاتهامات، وتُلصق بهم أبشع الأوصاف والشتائم، بل أصبحوا مطلوبين على ذمة المؤامرة الافتراضية الكبرى للإطاحة بالرئيس أو خطفه، التى لا يدعمها سند ولا دليل.
ووفقا لقواعد الديمقراطية سيصبح الدستور إجباريا ولو بنسبة 50% فقط، لكنه لن يحوز الرضا والقبول، ويظل شوكة فى ظهر الوطن، إذا لم يبدد المخاوف ويحقق الارتياح والطمأنينة للذين قالوا «لا» قبل الذين صوتوا بـ«نعم»، خصوصا أنه مفخخ بمواد كثيرة إذا أُسىء استخدامها، فلن تبنى مؤسسات ولن تأتى باستقرار، بل ستزيد حالة الاحتقان والاستقطاب والعنف والانقسام، ولعل الامتحان الأول هم إصدار قانون الانتخابات الذى يطبق لأول مرة على مجلس النواب القادم، فهل يستوعب مجلس الشورى الذى يتولى سلطة التشريع أسباب الغضب والرفض، وينتج قانونا يفتح أبواب الأمل فى وجه المعارضة المحبطة لتجد لها مكانا تحت القبة، أم ينحاز لهيمنة أعضائه من الإسلام السياسى ويُقصى بقايا المعارضة، ويستكمل سياسة القبضة الحديدية الإخوانية للسيطرة على كل مؤسسات الدولة.
الديمقراطية السوداء فقط هى التى تفعل ذلك، ولا تعمل حساب نصف الصندوق الفارغ، ويترجم الفائز أغلبيته الضعيفة إلى قوة مفرطة وهيمنة وسيطرة واستحواذ، وكأن المعارضين قبل المؤيدين قد منحوه صكوكا على بياض لاحتكار كل سلطات الدولة والأرض وما عليها، وغير ذلك من أعراض الديكتاتورية المبكرة، فيضيق النظام الحاكم بحرية الصحافة والإعلام والنقد والرأى والتعبير، ويسلط سيوف البلاغات الكيدية على رقاب معارضيه، ويحشد أنصاره ومؤيديه لمحاصرتهم وتهديدهم والتحريض ضدهم.. وأسوأ ما فى الأمر أن يخرج علينا كل مساء عشرات القيادات الإخوانية الذين يبررون هذه الخروقات ويشيدون بمزاياها أو يكيلون الاتهامات لخصومهم، وإذا أصبح الأمر كذلك يصبح الصندوق الذى يتباهون به «لعنة» وليس «نعمة».
الديمقراطية ليس لها صندوق أسود نبحث عنه فى الحطام لكشف أسرار الكوارث والحوادث والنكبات التى تلحق بالوطن، ولكنها «طوق نجاة» إذا استجاب الرئيس لمطالب أصحاب نصف الصندوق الفارغ.. وأهمها الاحتواء والمشاركة والحوار والتفاهم والتوافق والتقارب وتذويب الخلافات، وأهمها أن يرفع الذين يزعمون أنهم «حريصون على مصلحة مصر»، أيديهم عن مصر التى لم تمنح صكوك الوطنية لبعض أبنائها ولم تجرّد منها الآخرين، وأهمها أن تعود هيبة الدولة وسيادة القانون، فلا دولة حين تُحاصر «أم المحاكم» ودور العبادة ومقار الأحزاب ومدينة الإنتاج الإعلامى، ولا دولة حين يسود اليأس والإحباط ويشعر الناس أن وطنهم يضيق عليهم حتى يخنقهم.. فاقرأوا نتيجة الصندوق صح، قبل أن يُغنى المعارضون «سرقوا الصندوق يا محمد، لكن مفتاحه معايا».