د. نعمان جلال

الدروس السبعة للانتفاضة التصحيحية للشعب المصرى

الجمعة، 21 ديسمبر 2012 10:48 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لقد أثلج صدرى عودة الوحدة لصفوف القيادات السياسية المصرية المعارضة بعد أن مزقت السياسة صفوفهم وشتت شملهم، وأتمنى أن يدرك الجميع من الثوار الشباب والشيوخ حقائق الموقف وهى أن مصر فى خطر وفى منعطف تاريخى وسياسى شديد الخطورة وأن وحدة قوى الثورة كشباب وشيوخ وقيادات ومسلمين وأقباط رجالاً ونساء هى الطريق للخروج من المأزق، أن النداء الذى أعلنه عمرو موسى والدكتور البرادعى وحمدين صباحى وغيرهم والنداء المنفرد الذى أعلنه فى اليوم التالى الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح له مغزى مهم أن هؤلاء القادة تربطهم وحدة فكرية لمصلحة مصر وشعبها بكافة فئاته وطوائفه رغم ما بينهم من خلافات فى الرأى أو الرؤية.

كما يمكن للرئيس محمد مرسى أن يكون زعيما لمصر بأسرها كما أعلن أثناء حملته الانتخابية وفور توليه الرئاسة ولكنه وقع فريسة ثلاثة أخطاء:

أولها: تأثره بتوجهات الجماعة الإخوانية رغم أنه تم انتخابه على أساس إنهاء عضويته أو تجميدها وأن يكون رئيسا لكل المصريين، لقد امتلأت الرئاسة بالإخوان وأنصارهم والسلفيين وأعوانهم، وأسندت رئاسة الوزارة إلى غير ذى قدرة على القيام بأعبائها الضخمة فالدكتور رئيس الوزراء إنسان ممتاز كوزير للرى، ولكنه ليس له خبرة ولا دراية بدهاليز السياسة وألاعيبها، والتشكيل الوزارى فى مجمله إخوانى أو محسوب عليهم أو على السلفيين والأخطر أن ثلث وزرائه ممن يوصفون بالفلول أى كانوا وزراء فى ظل رئاسة الرئيس مبارك الذى قامت الثورة ضده وهذا يثير التساؤل والدهشة الشديدة

ثانيها: سوء اختيار المعاونين الذين يزينون الأخطاء ويتمسكون بالأعيب السياسة السيئة التى عانت منها مصر طوال ثلاثين عاما فى عهد مبارك وهو ما أوقعه، فى أخطاء متكررة، وكان شجاعا فى التراجع عنها، ماعدا الخطأ القاتل بالإعلان الدستورى وسلق الدستور الجديد فى البرستو، رغم موقف معظم الشعب والسياسيين ضد ذلك.

وثالثها: معاداته لركائز المجتمع الخمس وهى الجيش والشرطة والقضاء والإعلام والخارجية، ومحاولته إتاحة الفرصة لجماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة لتغلغل فى صفوف هذه القوى التى من المفترض أن تكون معبرة عن الوطن، وليست معبرة عن حزب، أن بعض هذه القوى تأتمر بأمر الرئيس شريطة إلا تعبر تعليمات الرئيس إلا عن المصلحة الوطنية الحقيقية وليست مصلحة الحزب السياسى الذى ينتمى إليه.

إننى أدعو بلسان الدكتور مرسى وأقول "اللهم احمنى من عشيرتى الذين يسعون فى سلوكهم وفكرهم للسيطرة ونشر الديكتاتورية، وتزيين الأخطاء، وأن مستشارى السوء هم أشد خطرا على الدكتور مرسى الذى يبدو أنه إنسان نقى وطيب النية ودفعة بعض مستشاريه لتعيين ذوى القربى فى المناصب العليا، مما يجعل البعض من المراقبين يطعن فى نزاهته ومصداقيته.

إن مبارك فى قمة استبداده لم يقع فى هذا الخطأ القاتل الذى وقع فيه حزب البعث فى سوريا والعراق، حيث أصبحت القبيلة هى موضع الثقة، وهى التى تتولى السلطة كذلك فعل على عبد الله صالح الرئيس اليمنى السابق.

إن الرئيس مرسى فى حاجة إلى مستشارين يقولون له بوضوح لا لمثل هذه القرارات، وأن عليه أن يستمع إليهم، ويصغى لقولهم، ويفكر فيه ملياً، لقد كان النبى عليه الصلاة والسلام هو القدوة فى استشارة أصحابه الذين هم شعبه، ولكن الرئيس مرسى شعبه هو كل شعب مصر وليس الإخوان الذين خطب فيهم أمام الاتحادية وبذلك أفقد دار الرئاسة هيبتها وحيادها.

حمى الله مصر وبارك شعبها كما دعا لها النبى محمد، وكما دعا لها السيد المسيح، وكما عاش على أرضها آمناً يوسف الصديق وموسى الكليم وهارون وغيرهم من أنبياء الله من ذرية إبراهيم الخليل الذى جاء هو أيضا لمصر.

إن مصر لم تسم كنانة الله فى أرضه عبثا، ولكن لأنها أرض الأنبياء وقتلة الطغاة والمستبدين والمستعمرين. أنه عندما يخرج زعيم من حزب العدالة والتنمية ويدعو الجماهير لقتل المتظاهرين المسالمين بدعوى أنهم متمردون على الرئاسة، وعندما يرفع بعض المتظاهرين من الإخوان والسلفيين أمام جامعة القاهرة شعار "الشرعية والشريعة" فهى مثل رفع معاوية للمصحف. والدعوة للاحتكام إليه، إنه قول حق أريد به باطل، فليست جماعة الإخوان هم وحدهم المسلمين أو هم شعب مصر، بل أن مسيحى مصر هم من أوصى بهم النبى الكريم لقوله "استوصوا بقبط مصر خيراً فأن لى فيها صهراً ونسباً" أن شعب مصر من الأحزاب الأخرى ليسوا ضد الإسلام أو ضد الشريعة، ولكنهم ضد فكر التشدد والإقصاء، وليس فى ذلك أدنى ضرر أو خطأ، فكل له رأيه وله مذهبه، وكل سوف يحاسب أمام الله يوم القيامة وليست لأى مسلم حجية فى الطعن على إسلام الآخرين، ولقد نهى النبى الكريم عن التفتيش فى نوايا الناس قائلا للصحابى الذى قتل أحد المشركين الذى نطق بالشهادة: "هلا شققت عن صدره" أن مجرد النطق بالشهادة يدخل المرء الإسلام كدين، والتمسك بالشعائر والأركان مسئولية المرء أمام الله الذى يؤكد "لاتزر وازرة وزر أخرى".

إن الرئيس مرسى صاحب الشرعية التى جاءت عبر انتخابات نزيهة لا يجب أن يلجأ للإجراءات الاستثنائية، إن الرئيس يمكن أن يحكم بالقانون والدستور، وهذا عين الصواب ولا يخرج عنه ولا يطعن عليه، ومن يتآمر ضده فلن يفلح ولا يجب على المستشارين أن يجعلوا الرئيس يعيش فى فكر المؤامرة، فمن يقنعه بذلك هو من يخون الأمانة ولا يحيق المكر السىء إلا بأهله، والله على ما أقول شهيد، وادعوه أن يلهم الرئيس المنتخب الصواب وهو سيظل شرعيا مادام يحكم بالعدل، ويراعى أحوال كافة أفراد شعب مصر، ولا يجب أن يخشى فى الله لومة لائم، ولا يجب أن يستمع لنصائح مستشارى السوء الذين هم من اجل مصالحهم يزينون الباطل والخطأ، ويقودون الرئيس إلى اتخاذ قرارات تجلب الكوارث التى سوف تضر بشعب مصر وتدمر وحدته أن شعب مصر الذى انتفض ضد مبارك وحماه الجيش آنذاك، انتفض ضد مرسى بلا حماية إلا إيمانه بوطنه وببلاده وأنه من العار أن تراق دماء المتظاهرين المسالمين، ويصرح أحد القيادات السلفية "حى على الجهاد"، وكأن إخوانه من شعب مصر، هم من الكفار أو من الأعداء، ومن العار أن يهتف متظاهرون أمام المحكمة الدستورية "أعطنا إشارة نجعل القضاة والإعلام فى شيكارة" إن الرئيس مرسى مدعو لتقديم هؤلاء للعدالة وعندئذ سوف يحمله شعب مصر على الأعناق. ويهتف باسمه.

إن ما نقصده بانتفاضة الشعب المصرى هى حقيقة واضحة بالتظاهرات السلمية وبالاستفتاء على الدستور، وذلك لتأكيد سبع حقائق ذات أهمية ومغزى ينبغى على قيادة مصر وضعها نصب عينيها، حتى تكون معبرة بحق عن الشرعية القانونية والدستورية والشعبية فى أن واحد وهى:

الأولى: أن مصر لجميع شعب مصر وليست لفصيل أو حزب أو فريق من الرفقاء ولهذا يجب رفض احتكار السلطة من قبل فريق أو حزب أو طائفة أو عقيدة فالسلطة للجميع وعلى الجميع التعاون باحترام ومودة للآخر دون إقصاء.

الثانية: أن ثورة 25 يناير استهدفت الإطاحة بالنظام الديكتاتورى الفاسد، وأن هذه الثورة نتيجة تعاون فرقاء وأحزاب وجماعات عديدة وليست نتيجة ثورة فريق واحد دون غيره.

الثالثة: إن هوية مصر هى هوية عريقة متعددة الأبعاد فهى عربية إسلامية وهى قبطية مسيحية وهى ذات حضارة أفريقية فرعونية. هذه الهوية لا يمكن أن تنفصم عراها بتغلب بعد على غيره من الأبعاد.

الرابعة: أن شعب مصر عندما ثار على الظلم ورفع شعار: "خبز، حرية، عدالة اجتماعية" لن يستكين لإعادة إنتاج النظام السابق مهما كانت التسمية، وإعادة النظام السابق تعنى سيطرة لجنة سياسات جديدة على السلطة، وسيطرة مفهوم الجباية والضرائب على الاقتصاد وليس الإنتاج الاقتصادى والعمل الجاد. لقد ساهم يوسف بطرس غالى فى تدمير شعب مصر عبر الضرائب، وأتمنى لا يكرر وزير المالية فى عهد الرئيس مرسى نفس الخطأ بجباية الضرائب بدلاً من الإنتاج وتطويره.

الخامسة: أن مصر لديها مقومات عظيمة إذا أحسنت الحكومة إدارتها وأن حسن الإدارة يعتمد على استخدام الكفاءات وأهل الخبرة، وليس أهل الثقة إذا لم تتوافر فيهم الخبرة.

السادسة: أن احترام القانون والقضاء، وانضباط عمل الشرطية فى احترامها لحقوق المواطن، والقوات المسلحة فى الحفاظ على الأمن الوطنى على الحدود فضلا عن مسئولية الإعلام والحرية الإعلامية، ومسئولية الخارجية فى التعبير عن سياسة الدولة وتوجهاتها فى التعامل الخارجى وهو ما يجعل الحياد فى الصراعات السياسية الحزبية فى الدولة ضرورة لامحيص عنها لهذه الركائز الأساسية للمجتمع.

السابعة: إن الذين يتحدثون عن الشرعية الثورية ويدعون لتجاهل القانون ويقارنون بين ذلك وبين ثورة 1952 التى يكرهونها نقول أن هؤلاء مخطئون تماما فالزمن غير الزمن والإطراف المشاركة فى ثورة 25 يناير2011 غير الأطراف التى قامت بثورة 23 يوليو 1952، ويجب أن يدركوا أنهم يعيشون فى القرن الحادى والعشرين، حيث الشرعية للقانون والدستور المتفق عليه شعبيا وللمؤسسات الدستورية السليمة.

إن مراعاة الرئيس مرسى للدروس والعبر السابقة هى ما يجعله يدخل تاريخ مصر كقائد من قياداتها المؤمنة بالله والعاملة من أجل مصلحة شعبها ورفاهيته وتقدمه، والرئيس السابق حسنى مبارك للأسف لم يستمع للنصح الأمين والكلمة الصادقة ووقع فريسة نصائح مستشارى السوء وطموحات أسرته فحاق به ما حاق من مهانة ومذلة.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة