إبراهيم عبد المجيد

ليس بالسمع والطاعة كانت الثورة

الجمعة، 21 ديسمبر 2012 07:39 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
جلست طويلا أفكر ماذا أكتب، عشرات الموضوعات تلقى بنفسها أمامى، ولا يبدو أن هناك موضوعا واحدا منها يكفى، هل أكتب عن أواخرها التى هى مثل أوائلها، هل أكتب عن استقالة النائب العام التى صارت محل صراع؟ الموالون للنظام يعتبرونها قسرية، والمعارضون يعتبرونها انتصارا للقضاء نفسه وللقضاة بمن فيهم النائب العام. هل أكتب عن اللجنة التأسيسية للدستور التى كانت تجرى لتنتهى من حكم منتظر من المحكمة الدستورية، وقدمت الدستور للسيد الرئيس، وأعلن عن انتهائها ثم إذا بها تخرج علينا بالمؤتمرات والدعوات للحوار. هل أكتب عن حرق حزب الوفد وإعلان الشيخ حازم أبوإسماعيل وأنه لا علاقة له بذلك. إن الذى حرق الحزب شيوعيون مثلا أو لم يتم تصويرهم وسماع أصواتهم.

هل أكتب عما جرى فى الإسكندرية فى وحول جامع القائد إبراهيم ثم ما يقال إن الشيخ حازم أبوإسماعيل سيذهب هناك اليوم. هل أكتب عما أشيع عن استقالة رئيس لجنة الاستفتاء السيد زغلول البلشى ثم إعلان وزارة العدل أنه لم يستقل وأنها مجرد وعكة صحية.

هل أكتب عن اتهام المعارضة، جبهة الإنقاذ بالذات، بالتخطيط لخطف الرئيس ثم دعوة مكتب الإرشاد واللجنة التأسيسية ذاتها للمعارضة وفى القلب منها جبهة الإنقاذ للحوار اليوم. هل أكتب عن الحكم على عبدالله بدر فى قضية سب وقذف إلهام شاهين، هل أكتب عن ابتعاد قضاة مجلس الدولة عن الاستمرار فى الاستفتاء وإعلان وزارة العدل أنها لم يصلها خبر بذلك، وإعلان السيد زغلول البلشى أن لديه قضاة احتياطيين فى حالة الاعتذار. ماذا تكتب وكل شىء ونقيضه يحدث فى البلاد. كل شىء مما قلته يصلح عنوانا لمقال. حتى إذا أردت أن تهرب منها وتكتب من الذى أوصلنا إلى هذا الحال ستقول هو رئيس الجمهورية، وستجد من يقول: لا هو مكتب الإرشاد. وأنا أقول إن الذى أوصلنا إلى ذلك هو الفارق الكبير بين الثوار وبين جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين أيضا. جماعة الإخوان تعلمت ألا تواجه النظام طوال ثلاثين سنة هى مدة مبارك فى الحكم. تعلمت التقية خوفا من بطش النظام الذى بدوره لم يغفل عنها. فكان بين الحين والحين يكتشف أو حتى يلفق لها قضية ما، لكن بين القضية والأخرى كان هناك ثبات. طريقة واحدة للإخوان للتعامل مع الشعب هى تقديم بعض الخدمات الخاصة له فى حياته الاجتماعية التى أهملها النظام وبداخلها السمع والطاعة.

أما الثوار فلقد هبطوا من السماء. لم يأتوا منهم ولا من الأحزاب الأخرى القديمة التى تكلست بفعل الزمن وضربات النظام أيضا. والتى لا تملك الأموال لتفعل ما يفعله الإخوان مع الشعب، بل ليس ذلك منهجها ولا طريقتها. الثوار الذين هبطوا من السماء. من العالم الافتراضى، من المعرفة بما يدور فى العالم من علم وتكنولوجيا وصراع من أجل الحق، دعوا إلى الثورة بلا حسابات قديمة، ولا طريقة قديمة متكلسة. انضم لهم الإخوان متأخرين وصاروا يعملون بإيقاعهم بعض الوقت، ثم جذبتهم طريقتهم السرية، والسمع والطاعة.

ورغم أن الثوار رأوا منهم نكرانا وانسحابا من الميادين من أجل الانتخابات وغيرها، فإنهم حين وضعهم المجلس العسكرى أمام الاختيارين. شفيق أو مرسى، جروا على طريقتهم العصرية إلى مرسى تخلصا بسرعة من كل مظاهر العصر القديم. لم يدرك الإخوان ذلك، ولا طبعا السيد الرئيس للأسف، أدركوا الشكل لا الجوهر، والجوهر هو من يفعل ذلك لن يرضى بالخذلان ولا ضياع ثورته. قابل الرئيس شبابا من الثورة وقيادات فكرية وسياسية كان يسمع ولا يناقش ولا يتناقش. بدا أن المطلوب هو أن تكتب الصحف بفخر أن الرئيس تقابل مع المعارضة، لكن الحقيقة أن الرئيس ابن جماعة وطريقة تتسم بالثبات.

ومن ثم فعل كل ما فعله مما أغضب الثورة والثوار. يدرك الرئيس أن هناك ثورة لبعض الوقت فيتراجع عن قراراته لكنه لا يقدم قرارات تناسب الثورة. لابد أن الرئيس مندهش. كيف أمضى كل هذا العمر بين السمع والطاعة ولا أحد يستمع إليه أو يطيعه غير جماعته والمستفيدين منها أو البسطاء الذين لا يزالون على طيبتهم يتصورون أن الدين هو الإخوان والسلفيون.

لذلك هم مجموعة صغيرة فى حارة ضيقة. لن يراهم غير ذلك للأسف. إلى أين تصل طريقة الرئيس وجماعته التى هى خارج إيقاع الثورة والعصر، إلى الكارثة التى بدأت بانقسام الشعب ولن تكون لها نهاية إلا بطرف دون طرف. يحتاج الرئيس حتى يكون رئيسا لكل المصريين إلى معجزة إلهية تجعله جسديا وروحيا ينسى عمرا من السمع والطاعة ويعود شابا عمره عشرين سنة، وذلك للأسف لن يحدث، وحتى لو عاد إلى شبابه لن يجد حوله عالم الاتصالات العصرى فسيظل بطىء الإيقاع. بل ربما يحمد الله أنه ترك هذا العالم العجيب وشبابه الذى لا يهدأ.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة