ابن سعد المؤرخ الكبير له كتاب مهم اسمه «الطبقات الكبرى»، وقد طالعت الكتاب فوجدته يؤرخ لسيرة النبى، صلى الله عليه وسلم، ثم يتبع ذلك بأهل بدر ثم بالتابعين من أهل المدينة ثم أهل مكة وهكذا.. وفكرة الطبقة عند ابن سعد هى أداة للتحليل الثقافى، فيقول إن من صنع تاريخ هذه الأمة هم حاملو الفكرة ومتمثليها كأفضل تمثل وفق الترتيب الذى ذكره فى كتابه الذى يبلغ سبعة أجزاء، وحين أتابع صور وأفعال الإسلاميين المعاصرين التى تظهرهم وهم يتحركون فى مجموعات سائلة لا يجمع بينها جامع ولا يمنع من دونهم مانع، وفى أجواء السيولة تختلط الأمور ويتزعم المنبتون، نسبة إلى حديث النبى، صلى الله عليه وسلم: «إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى»، والمنبوت هو المقطوع الذى حيل بينه وبين مقصده، فهو عاجز عن أن يصل إلى هدفه، لأن راحلته من عظم ما أجهدها هزلت حتى كادت أن تنفق وتموت.
هذا المنبت قاطع المفاوز والمراحل المتعالى على الواقع، الذى يلاعبه خياله بقرب الوصول دون اعتبار لقواعد السير وتقدير قوة الدابة التى تحمله، وأذكر أننى قرأت لمالك بن نبى أن قبيلة كانت فى سبيلها للرحيل عن مرتعها، وقد وضعت على كاهل أحد الجمال ما ينوء بحمله، وهو بارك على الأرض، فجاءت طفلة ووضعت فوق ما يحمله شيئا جديدا، فقالت لها جدتها: هذا كفاية، فرد الجمل ليقول: دعيها تضع ما تريد فأنا لن أستطيع القيام أساسا.. هنا تقدير ما تتحمله مراحل السير وأنت تسافر.
حين طالعت صور مؤيدى الشيخ عبدالله بدر بعد الحكم عليه فى قضية سبه وقذفه للسيدة إلهام شاهين وجدت صورا مختلفة عن تلك التى عهدتها نفسى من المنتمين للتيار الإسلامى، هناك أقوام مختلفون فى هيئاتهم وطريقة لباسهم وطريقة احتجاجهم، وهنا طرأت على رأسى فكرة المقال عن طبقات الإسلاميين المعاصرين.
لا تزال فكرة الطبقة تحمل معنى ثقافيا، وهم أولئكم الذين يحملون الفكرة الإسلامية ويتحركون بها ولها فى الواقع وعلى الأرض، وهنا فمن يحمل راية الإسلام اليوم فإنه يعبر عن الفكرة التى يمثلها، وهذا ما يجعلنى أتكلم عن الإسلاميين وليس أى تيار آخر، لأن لك وصلا بدين وبفكرة وبقيمة، فحين لا تكون معبرا عنها فأنت تجرحها وملايين البشر الذين يحملونها.
لو قدر لمؤرخ معاصر أن يؤرخ كما فعل ابن سعد لطبقات الإسلاميين المعاصرين فماذا سيكتب؟ هل سيؤرخ للشيخ عبدالله بدر ليقول إنه من سب وقذف من خلال قناة إسلامية سيدة، حتى لو كانت تعمل بشىء أنت لا توافق عليه، وأصبح ذلك موضوعا لاهتمام قطاعات واسعة ممن ينتمون للفكرة الإسلامية.
لا أظن أن أحدا من علماء الإسلام من أول ظهوره دخل فى مهاترة من هذا النوع، وتعزيزا لتلك المهاترات اقترح أحد من يخرجون على الناس فى قناة الحافظ ملازما لعبدالله بدر أن يخرج المسلمون متظاهرين فى مليونية بعنوان «كم واحد اعتلاك»، هذا يعنى أن طبقات الإسلاميين المعاصرين لم تعد ترقى إلى مستوى الفكرة التى يحملونها ويرفعون شعارها، وفى الحديث: «إن الله يحب معالى الأمور وأشرافها ويكره سفاسفها».. قد كان المسلمون الأوائل يقولون ويفعلون، بينما طبقات ابن بدر تثير الأرض صخبا وضجيجا وطحنا بلا فعل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة