رغم شكلها العمودى المريب.. الأقرب لآلة التعذيب عند الكفار، فإن المسلة الفرعونية هى أعظم اختراعات قدماء المصريين لا شك فى ذلك ولا تدليس، فهى النطفة الأولى فى هذا المخلوق المتوحش المسمى الآن بـ«الإعلام».. هى أول جريدة رسمية عرفتها الخليقة لتعلن للعامة عن اسم الفرعون ونسبه وبركاته وفضله على المواطنين لذا أطلقوا عليها «أصبع الشمس المضىء» فالشمس هى الآلهة عند المصريين القدماء والفرعون «صباعها» فى الأرض و«المسلة» هى الإعلام الرسمى عن كل هذا «الهجص»، لذلك وزعوا خوابير الفرعون فى أنحاء البلاد كرسالة رعب من الآلهة بأن المحروس ابنها وكل من يرفضه أو يعارضه سوف يكون له حساب أليم، فهى قد تطرشك أو تعميك أو تحولك إلى صرصور الغيط لو اعترضت على ابنها المقدس «توتو بخ» أو بخيت فى وشه.. واستمر هذا «الجخ» من الفراعنة إلى البطالمة إلى الرومان إلى الخلافات الإسلامية إلى الجمهورية إلى الآن.. لم تتغير أفكار المسلة رغم مرور آلاف السنين، فمازلنا نقف حولها لنعرف أمجاد الرئيس ونجلس فوقها لنعرف أحوال الشعب، ورغم أن المسلات تضخمت وأصبحت مؤسسات إعلامية جبارة وصحف ومجلات فخمة وقنوات تليفزيونية وفضائية بالعبيط، لكن الإعلام القومى مازال يلهث خلف الرئيس، لم يخرج من فكرة الخابور ليكون صاحب دور، فمازالت أبواقه تزن ليل نهار لتؤكد على قدسية الرئيس وعظمة أعوانه بنفس الولاء الذى أعطته السابقين.. لا فرق هنا بين أن يكون «ابن الآلهة» أو «بطل الحرب والسلام» أو «ولى من أولياء الله الصالحين» المهم أن تستمر رسالة المسلة أو الإعلام الرسمى فى رفع مكانة الحاكم ومدح نظامه والدفاع عن قراراته والتأكيد الدائم على حبه للفقراء وقسوته على الأعداء وأن أجمل من عهد معاليه «مفيش».. كل ذلك وأكثر.. وأنه لم يخل تاريخ الإعلام القومى من العقول والآراء الحرة التى نددت بالأنظمة الفاسدة وشهرت بمن فيه.. لكن أصحاب تلك التوجهات كانوا دائما أهل عقاب وأخشى ما أخشاه أن يظلوا كذلك، فلم يتغير الحال إطلاقا بعد تنصيب رئيس منتخب.. بل سعى النظام القائم «متلهفا» لتعيين قيادات جديدة لتلك المؤسسات من خلاله ليطمئن لولائها المعهود وليستمتع بغنائها على هواه.. وظهرت النتائج بسرعة فى قمع العديد من الأقلام الحرة ومنع مقالات وحجب برامج.. لم يكن هذا «أخونة» للإعلام الرسمى للدولة بقدر ما كان تأكيدا على مرحلة جديدة من حكم المسلة، فلو صدق الرئيس المنتخب فيما وعد لأخذت تلك المؤسسات الإعلامية الفرصة فى انتخاب قياداتها وتحديد توجهاتها، سواء مع النظام أو ضده أو فيما بينهما، وسيظل الرئيس «أى رئيس» متحكما فى تلك المؤسسات طالما أن ديونها للدولة تصل إلى 23 مليار جنيه موزعة بين 55 جريدة ومجلة و20 قناة تليفزيونية، رغم أنها ديون بغير ذنب فتلك المؤسسات كانت مجبرة فيما صارت عليه، هذا المبلغ الضخم هو تكاليف إعلان الرئيس مبارك عن نفسه وعن إنجازاته وعن المحروس ابنه بعد ذلك، فلماذا نحاسب العاملين فى تلك المؤسسات على هذا الدين ولماذا لا نحررهم «فكريا واقتصاديا» من قبضة النظام الإخوانى الذى يتصور أنه ورث المسلة وليس عليه سوى أن يمسح ما عليها وينقش اسمه لينهال عليه مديحها كل صباح ولينام عليها الشعب كل مساء.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة