د. محمد على يوسف

حمرقة!!

الأربعاء، 26 ديسمبر 2012 05:29 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
انطلقت صافرة الحكم لتقطع على الكابتن «حمروق» فرحته الغامرة وقد رأى الكرة تستقر فى المرمى وتهز شباك الخصم بهدف غالٍ طالما انتظره وفريقه فى تلك المباراة الصعبة. تزامن انطلاق صافرة الحكم مع رفع حامل الراية لرايته مؤكدا على أن هذا الهدف تسلل أو «أوفسايد»، ومن ثم لن يتمكن الكابتن «نزيه الشامخ» حكم المباراة من احتسابه. لم تمض لحظات حتى كانت فرحة «حمروق» وفريقه قد تحولت إلى غضبة عارمة، واعتراض جارف، على تلك القاعدة التى ظهر لهم فجأة ودون سابق إنذار أنها ظالمة، وذلك طبعا لم يظهر إلا بعد أن بددت تلك الصافرة وقاعدة التسلل آمالهم فى فوز كانوا يمنون أنفسهم به. اتجه «حمروق» وباقى الفريق إلى الكابتن «نزيه الشامخ» وشرر الغضب يتطاير من وجوههم، والدماء تكاد تتفجر من عروقهم، وقد تناسوا فى لحظات ما كانوا يتغنون به من قبل عن عدالة الكابتن “نزيه الشامخ” وشرفه وانضباطه، ولعقوا فى دقائق كلامهم عن وجوب احترام قواعد اللعبة وقرارات الحكم التى رددوا دوما أنها عنوان الحقيقة، فى لحظات معدودات صار الكابتن «نزيه الشامخ» حكما مزورا أو متواطئا مع حامل الراية المرتشى!!
«لا نعترف بتلك القاعدة غير التوافقية والتى تجعل هذا الهدف باطلا، ولا نعترف بك حكما أيها المزور»؛ هكذا كان لسان حال «حمروق» وفريقه!
لكن كيف؟ وبأى عقل وتحت أى منطق؟ أليس هذا هو الاتفاق؟ أليست تلك هى قواعد اللعبة التى ارتضيتم اللعب وفقا لها؟ كيف تدخلون مباراة بقاعدة ثم تتراجعون عنها إن لم تكن طريقا لفوزكم؟ أوليس العقد شريعة المتعاقدين؟ أوليس هذا هو «نزيه الشامخ» الذى ارتضيتموه حكما للمباراة؟..سؤالات لا تجد لها إجابات لدى «حمروق» ورفاقه وقد قرروا هدم المباراة وإنهاء المنافسة والتشكيك فى النتيجة لمجرد أنها لم تأت فى صالحهم. لقد ظهر ذلك التوجه جليا فى بعض تصريحاتهم قبل المباراة، وقد أكدوا من خلالها أنهم لن يقبلوا إلا نتيجة واحدة، وإلا كان إبطال المباراة هو الخيار التالى والوحيد، وها هم ينفذون وعيدهم بقيادة «حمروق» الذى كان اسمه حقا على مسمى. قد تكون تلك الصورة خيالية أو هزلية لأول وهلة، وقد يسارع القارئ إلى رفضها أو يعدها مبالغة لا يمكن أن تحدث فى عالم الواقع، وأنه منطق لا يصلح إلا فى عالم الكرة الشراب، التى يهوى الصبيان اللعب بها فى أزقة وحوارى مصر، لكن أن تحدث تلك «الحمرقة» فى مباراة حقيقية، فذلك أمر لا يُتصور وليس من الواقعية فى شىء. لكن المفاجأة أنه يحدث وبشكل أكثر صبيانية للأسف الشديد لكن على الساحة السياسية، ففجأة صار القضاء الشامخ الذى طالما تغنت المعارضة المصرية بشموخه ونزاهته مزورا، أو على الأقل متغاضيا متسترا على التزوير والفساد، وصارت القواعد المتفق عليها منذ استفتاء مارس هى قواعد غير توافقية، واعتبر البعض أن نسبة أغلبية %50+1 هى نسبة غير كافية لتمرير دستور ومن ثم صرح بعض لاعبى السياسة أنه لابد من إسقاط ذلك الدستور، وأنه غير معترف به، رغم أنه للمفارقة لم يمر بتلك النسبة؛ وإنما بنسبة تقارب الثلثين، لكنها للأسف «الحمرقة»؛ التى جعلت أحد أقطاب المعارضة يصرح بأنهم سيسقطون هذا الدستور ولو قيل له «نعمين»، أو الآخر الذى يقول إنه دستور ساقط بالوراثة!
ربما أتفهم موقف من قرروا أن الأمر غير مناسب بالنسبة لهم فقرروا المقاطعة اتساقا مع أنفسهم ومبادئهم أما من خاضوا الممارسة ليجربوا فقط حتى إذا ما أتت النتائج فى غير صالحهم قالوا: «مش لاعبين» فهذا ما لا أستطيع فهمه. لقد ذهب من ذهب للاستفتاء على أساس قواعد الأغلبية العادية %50+1، وعلى هذا شارك الناس، وعليهم أن يتقبلوا النتائج، أما فكرة ادعاء التزوير دون سلوك سبل إثباته قانونيا أو افتعال شروط جديدة للقبول والرفض بعد أن يسبق السيف العزل فهى فكرة ربما تناسب الصبية بشكل أو بآخر، لكن الكبار يعلمون جيدا أن القواعد إنما توضع قبل البناء وليس بعده، وأن الروح الرياضية المفترضة تختلف كثيرا عن تلك الـ«حمرقة».








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة