فى الفترة الأخيرة لم يكن الله بنا رحيما وعشنا ومازلنا نعيش بالقفز فوق جمر الفتاوى الدينية الغريبة من بعض الشيوخ، والآراء السياسية الكوميدية والمثيرة للضحك من بعض القيادات الحزبية، ولأن كل شىء فى حياتنا أصبح مرتبطا بتاريخ وجدول مواعيد كان طبيعيا أن يستكمل بعض الذين ضلوا طريقهم إلى الدعوة وحمل لقب شيخ حيرتنا الدينية وفتنتنا الاجتماعية بفتوى تحرم الاحتفال بالكريسماس وأعياد رأس السنة، جاءت كلماتها قاطعة حاسمة وهى تحث المسلمين على عدم مشاركة الإخوة المسيحيين احتفالاتهم بأعياد الميلاد حاملة استنكارا وغضبا من وجود زينة الاحتفالات من أشجار وخلافه فى محلات المسلمين، ووجود إقبال إسلامى على شرائها. الفتوى تكلمت عن ضرورة مقاطعة هذه الاحتفالات وكأن أصحابها ومروجيها يتحدثون عن كفار قريش لا عن إخوة لنا تفصل بين غرف نومنا ونومهم حوائط، أو ننام بجوارهم على أسرة واحدة فى المدن الجامعية والجيش وبيوت الغربة.
لم يتوقف الشيوخ أصحاب هذه الفتوى عند ذلك بل زادوا على ذلك حينما طالبوا المسلمين المقيمين فى الخارج أن يتجنبوا الاحتفالات ولا يشاركوا فيها، وكأنها رجس من عمل الشيطان أو كأنهم فى حاجة إلى مزيد من الاتهامات بالتعصب أو فى حاجة إلى مزيد من الانفصال أو العزلة عن المجتمع الذى يعيشون فيه، وكانت حجة أصحاب الفتوى فى ذلك غريبة حيث اعتبروا ذلك ردا على قرارات منع المآذن فى سويسرا والحجاب فى فرنسا، دون أن يدرى أحدهم أنهم بذلك يقدمون أسوأ رد فى توقيت نبحث فيه عن إزالة الكثير من الشروخ والتشوهات التى أصابت صورة الإسلام فى الغرب خلال الفترة الأخيرة، فهل يعقل أن يأتى الشيوخ ليسحبونا خطوات للخلف بفتوى مثل هذه؟ ثم أين هو الخطأ الدينى إذا ابتسم مسلم أو شارك إخوانه المسيحيين فى احتفالات أعياد الميلاد طالما أنه لم يرتكب إثما يغضب الله؟ أين هو الخطأ الدينى فى أن يشترى مسلم زينة مبهجة أو شجرة طويلة طالما أنه لن يشترى خمرا أو يمارس فعلا من أفعال الحرام؟ ألم يكن أولى يا شيوخنا أن تتحدثوا إلى أهل السياسية الذين أرهقونا بخلافاتهم وأرهقوا الوطن بالسعى فوق جثته من أجل المصالح الخاصة؟ أليس الأولى أن تخاطب هؤلاء وتحذرهم، بدلا من أولئك الذين يبحثون بزينة أعياد الميلاد وشجرة الكريسماس على فرحة مضافة إلى أيام تعبهم؟
الأمر يا شيوخنا أبسط من كل أنواع التعصب، فلا الذين اشتروا شجرة الكريسماس سيصلون فى الكنائس أو يقدسون الصليب، أو يأكلون من لحم الخنزير ويبلعون بكأس خمر، ولا الذين يسكنون معا فى وطن واحد يستحقون كل هذا التجاهل والازدراء، الأمر يقتصر يا شيوخنا على نوع من المشاركة يفرضه الوضع الاجتماعى بشكل طيب، نوع من المشاركة يمكن تكييفه فقهيا إذا أدخلناه تحت بند العادات وليس العقائد، لأننا لا نتصور من المسلمين فى أوروبا أو المسلمين فى الوطن العربى أن يغيروا ديانتهم لمجرد شرائهم شجرة الكريسماس، والأصل فى العادات كما تعلمنا وقرأنا هو الجواز ما لم نخالف أصلا من الأصول المجمع عليها، أو نحل حراما أو نحرم حلالا، وشراؤنا شجرة الكريسماس أو تهنئة الإخوة المسيحيين أو حتى ذهابنا للاحتفال معهم فى الكنيسة بغرض التهنئة والمشاركة يندرج تحت هذا البند ولا يدخل فى نطاق الحرام، بقدر ما يعتبر تعبيرا شديدا وفاعلا عن سماحة الإسلام واحترامه للآخر.
اشتروا شجرة الكريسماس واذهبوا إلى أصدقائكم وشاركوهم فرحتهم حتى داخل الكنائس، احتفلوا برأس السنة وأعياد الميلاد سواء كنتم هنا أو فى أوروبا، قدموا صورة الإسلام الحسنة، واحتفلوا بالميلاد.. فهو ميلاد نبينا عيسى عليه السلام.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة