وائل السمرى

النسخة المصرية من «سام باسيلى»

السبت، 29 ديسمبر 2012 01:59 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى أى مجتمع «محترم» وفى أى دولة «حقيقية» لا يجوز أن يعاقب مجرم على جريمة اقترفها فى حين أن آخر ارتكبها قبله ولم يعاقب، لذا لك أن تندهش من أننا انفعلنا وثرنا وغضبنا عندما نشر الشاب القبطى «ألبير صابر» جزء من الفيلم الأمريكى الحقير المسىء للنبى على صفحته على الفيس بوك التى لا يتعدى متابعوها بضعة مئات فى حين أن قنواتنا الدينية التى يشاهدها الملايين نشرت ذات الفيديو ولم يعاقب على تلك الجريمة أحد، ولك أيضاً أن تتعجب من ثورتنا على مخرج الفليم المسىء «سام باسيلى» الذى دلس على إسلامنا بما ليس فيه، وافترى على نبينا بوقاحة وبجاحة متحججاً بأن ما أتى به موجود فى التراث الإسلامى ومحفوظ فى كتب الحديث والتاريخ، وفى ذات الوقت ترى العديد من شيوخ الفضائيات الآن يبررون وقاحتهم وقذارة لسانهم مدعين بأن نبينا الكريم صلوات الله وسلامه عليه كان يسب ويشتم، ولما انقلبت الدنيا على وقاحتهم الزائدة، استباحوا لأنفسهم القول بأن ما ذكروه محفوظ فى كتب الحديث والتاريخ الإسلاميين، ليعيدوا بذلك إنتاج نسخة مصرية من «سام باسيلى» لكنها فى هذه المرة «بدقن».

فى مقال أمس تناولت هذه القضية ومررت عليها سريعا، لكن منعا للبلبلة أردت اليوم أن أستفيض فى تناولها لأننا سنظل فى تلك المشكلة القديمة الجديدة ما دامت نظرتنا إلى التراث الإسلامى بقيت على حالها، فنحن على مر التاريخ نقف من تراثنا موقفا متعصبا فى الإنكار أو التأييد، ففريق «جاحد» ينكر ما بهذا التراث من فضائل، وفريق «جامد» يضفى عليه قدسية مزيفة، والمشكلة التى يقع فيها الطرفان واحدة وإن اختلفت فى ظاهرها، فالفريق الأول يضع نفسه فى مأزق منطقى فلا يستطيع أن يجيب على السؤال القائل: كيف لأمة أشعت حضارة وعلما أن تكون مجردة من الفضائل؟ والفريق الثانى يضع نفسه فى تناقض كبير فلا يستطيع أن يبرر ما بهذا التراث من أمور متناقضة أحياناً ومتعارضة أحيانا، وقلما يجود علينا الزمان بفريق ثالث ينقح هذا التراث ويصلحه، ويعمل فيه العقل والتدبير، ناظراً إليه نظرة كلية، مستخرجا أحكامه العامة، متجردا من الأهواء والنزعات.

المشكلة التى نحن بصددها الآن والتى فجرها «شيوخ الشتائم المقدسة» جددت هذه الإشكالية، فهؤلاء المدعين يأتون بأحاديث بعضها فى كتب الصحاح ويلقونها فى وجوهنا وكأنها هى الدين، مدعين أن الشتائم والسباب أمر «عادى» يكاد يكون مستحبا فى الإسلام، ناسين أن هذه الافتراءات تتعارض وتتناقض مع عشرات الأحاديث الواردة فى ذات الكتب، فكيف يدعون أن أبوبكر رضى الله عنه قال لأحد المشركين «امصص (...) اللات، وأن النبى لم ينكر عليه هذا، فى حين أنه فى حديث آخر ترك النبى أبا بكر غاضباً لأنه رد على أحد تطاوله، ثم ألا يجوز لنا أن نتشكك فى حديث يخالف أبسط القواعد البدهية كما يخالف عشرات الشواهد والآثار والروايات؟

قطعا للطريق على أتباع المذهب الوهابى المتنكر فى صورة «السلفية الإخوانجية» المغرمين بهاجس «الرد» والذين يدمنون «التبرير» والذين سينزهون ما يتداولونه من أحاديث يروجون بها أغراضهم، والذين سيقولون إن سماح النبى صلى الله عليه وسلم بـ«الشتم» فى موقف ونهيه عنه فى موقف آخر لا تعارض فيه، وأنه جاء لاختلاف المواقف، أقول إن هذه الحجة وحدها كفيلة بأن تبطل دعاواكم بالاحتجاج بالسنة النبوية كلها، لأن هذا يعنى أن السنة لا تؤسس لأحكام فاصلة فى أمور الحياة كلها، وإنما قدمت حلولا مؤقتة لمشاكل عارضة، وإذا كانت المواقف قد تغيرت فى حياة النبى الكريم ولهذا غير أحكامه، فمن باب أولى ألا نقيس عليها ما يدور بحياتنا، وهذا أمر كفيل بأن يهدم «لا قدر الله» أحد أهم أركان الإسلام، وإنما الحل السليم الذى لا حيدة عنه عاجلا أم آجلا هو أن ننظر إلى تراثنا نظرة مختلفة تنزهه عن التناقض وتعمل فيه العقل، وإلا فلننتظر اليوم الذى نرفع فيه شعار «كلنا سام باسيلى».








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة