لا خلاف على أن التيار الإسلامى باتساعه فى ربوع مصر، وامتلاكه لآليات التمويل الضخمة، واتكائه المزمن على استخدام الدين واستغلاله قادر بلا شك على حشد آلاف التابعين فى أى وقت، لكن لا خلاف أيضاً على أن ما يروجه هذا التيار عن ضخامة أعداد المتظاهرين المؤيدين لقرارات مرسى أمس الأول به الكثير من التهويل والتضخيم غير المعقول، فقد وصل الأمر بأحد أعضاء الإخوان المسلمين لأن يدعى أن من شارك اليوم فى هذه التظاهرات قد وصل إلى ما يقرب من خمسة عشر مليونا، وهذا بالطبع ما لا يصدقه عقل، ولا يقبله عاقل، ولم يكن هذا التضخيم المتعمد إلا للرد ولو بالتضليل على مليونيات رفض مرسى وقراراته، التى امتدت فى ربوع مصر بشكل أعاد إلى الذاكرة مشاهد ليلة تنحى مبارك التى قدر البعض عدد المشاركين فيها بخمسة عشر مليونا!
تأتى هذه المبالغات فى ظل غياب تام للمنطق والعقل، ففى حين أكد محافظ الجيزة أن طاقة المكان الذى أقامت فيه التيارات الإسلامية مظاهراتها بجامعة القاهرة لا تتسع لأكثر من خمسين ألفا، وفى الوقت الذى كشفت فيه الصور التى التقطت من الأقمار الصناعية عن أن المساحة التى امتدت فيها هذه التظاهرة أقل بكثير من ميدان التحرير، كما ثبت بالصور والفيديوهات أن مرسى وحلفاءه مارسوا تلك العادة السرية الفاشية فى الحشد والتجييش بأن سخروا إمكانيات الدولة من أجل الفرعون، فرأينا أتوبيسات وزارة التعليم العالى وهى تنقل المتظاهرين من محافظاتهم إلى الجامعة، كما رأينا السيارات الحكومية تسهر على خدمة المتظاهرين جالبة لهم المياه العذبة، وفرق كبير بين من يتظاهر فى التحرير وبجانبه رشاشات المياه الكبريتية وقنابل الغاز ورصاص الداخلية، ومن يذهب إلى رحلة فى القاهرة محاطا بأدوات النعيم.
ما حدث هو أحد أبشع أشكال تزاوج الدولة بالحزب الحاكم، فأنا وأنت ندفع ضرائبنا ونكد ونعمل فى هذا البلد من أجل حياة كريمة فى مؤسسات مستقلة وليس من أجل التخديم على جماعة الرئيس وأهله وعشيرته التى شحنوها فى السيارات من مختلف أقاليم مصر لتأييد حاكم مستبد وجماعة فاشية، فقد امتلأت أفواههم بالكراهية، ووصل بهم الأمر إلى إعلان الحرب على مخالفيهم إلى الحد الذى قال فيه أحد كبرائهم «شهيدنا فى الجنة وقتيلهم فى النار» كما تقمصوا دور الفاشية الأعظم فى تاريخ البشرية وأعادوا إلى الذاكرة مشاهد محرقة الهولوكوست التى سخروا من البرادعى بسببها وقال بعضهم من فوق المنصة «قال بيقولوا جبهة إنقاذ.. دول عايزين الحرق بجاز» كما قال آخر «يجوز للرئيس حرق المعارضة وأحنا معاه» ودعا آخر إلى حرق ميدان التحرير بمن فيه رافعين شعارات «الشعب يريد تطهير التحرير» ولكى لا يظن أحد أن تلك الشعارات «مجرد شعارات» أثبت حماة الديكتاتورية أنهم مليشيات تردد أوامر أشبه بأوامر زعماء العصابات وتنفذها، فاتجهوا إلى المحكمة الدستورية ليهددوا هيئة المحكمة التى أقسم أمامها مرسى على احترام الدستور والقانون، مرددين شعارات تهديد القضاة، قائلين «إدينا يا ريس إشارة واحنا نجبهوملك فى شكارة» وهذه هى الطريقة المثلى التى يتعامل بها رئيس ميليشيا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة