«نعم» على الدستور لن تعالج عيوبه، فقد ولد مريضا، وفاقدا للشرعية، ويكفى أن %21 فقط من المصريين الذين لهم حق التصويت وافقوا عليه، وهذه النسبة البسيطة معرضة للتراجع إذا خصمنا منها الأصوات المزورة. لكن الدستور المعيب أصبح واقعا، وسيشكل ملامح النظام السياسى فى قادم الأيام، وبالتالى على المعارضة والقوى الثورية امتلاك رؤية لمواجهة هذه الأوضاع الجديدة، فإما الاستمرار فى رفض الدستور ومقاطعة العملية السياسية بما فيها الانتخابات، أو المشاركة من أجل تحقيق الأغلبية البرلمانية والضغط الشعبى لإسقاط الدستور أو تعديله.
أتصور أن سؤال المقاطعة أم المشاركة على أساس دستور معيب، سبق لحزب الوفد مواجهته بعد إقرار دستور 1923، لأن الوفد كان يرفض الدستور ولجنة الأشقياء التى وضعته، ومع ذلك خاض الوفد الانتخابات وفاز بها، والمفارقة أن الوفد ظل طوال تاريخه المدافع عن الدستور الذى كان أول من رفضه. طبعا التاريخ لا يكرر نفسه، خاصة أن المعارضة اليوم ليست موحدة تحت قيادة زعيم تاريخى مثل سعد زغلول، باختصار الأوضاع مختلفة لكن التاريخ يعلمنا، ويرشد خطوات المعارضة إذا تجردت عن الهوى والأطماع الحزبية والشخصية.
أعتقد أن البديل الوحيد أمام المعارضة هو الاستمرار فى رفض الدستور والنضال السلمى من أجل إسقاطه، وفى الوقت نفسه المشاركة فى الانتخابات وفى الترتيبات التى نص عليها الدستور، ما يعنى عمليا اتخاذ موقف مركب يجمع بين رفض الدستور والعمل فى ظلاله، وربما لا يروق هذا الموقف المركب بعض القوى الثورية لكن عليها أن تتعلم، وتغير مواقفها، فرفض الدستور ومقاطعة الانتخابات وترتيبات بناء النظام السياسى يعنى عمليا تسهيل مهمة الإخوان والسلفيين فى الهيمنة على الدولة والمؤسسات السياسية.. ولا شك أن الإخوان أنفسهم يرحبون بمقاطعة المعارضة بدليل تعيينات الشورى المتحيزة والإصرار على استمرار حوار هزلى لا تشارك فيه المعارضة بشأن قانون الانتخابات وبقية القوانين التى سيصدرها مجلس الشورى بسرعة حتى يضمنوا أخونة الدولة وإعداد المسرح الانتخابى لصالحهم.
كان من الصعب على رموز المعارضة قبول تعيينات الشورى، لكن من واجب المعارضة المشاركة فى مناقشة قانون الانتخابات وغيرها من القوانين بطريقة جديدة، مثل اقتراح مشروع قانون للانتخابات ومشروعات بديلة لكل ما يطرحه مجلس الشورى الإخوانى، وطرح هذه القوانين للنقاش العام، والضغط الشعبى السلمى على مجلس الشورى لإصدار قوانين تضمن فرصا متساوية للمنافسة السياسية وتعرقل غرور الإخوان واندفاعهم لأخونة الدولة والمجتمع.
المعارضة قادرة على الضغط على الإخوان والسلفيين، حتى وإن لم تمثل فى الشورى، والمعارضة أيضا قادرة على الفوز فى الانتخابات، نتيجة أخطاء الإخوان، وصعوبة الأوضاع الاقتصادية وموجات الغلاء وارتباك أداء الحكومة.. كل الظروف تخدم المعارضة بما فيها زيادة الانتقادات الدولية لنزعات الاستبداد والانفراد لدى الرئيس وجماعته، لكن يبقى شرط تماسك المعارضة وقدرتها على العمل المشترك من خلال جبهة الإنقاذ الوطنى، التى يجب عليها:
أولا: الإعلان بسرعة عن رفضها للدستور وحرصها على المشاركة فى الانتخابات.
ثانيا: تبنى برنامج حد أدنى من المطالب والسياسات للسنوات الخمس القادمة، تحقق المصالحة الوطنية والتحول الديمقراطى وعلاج الأزمة الاقتصادية والقضاء على الفساد. ثالثا: تجاوز فوبيا الفلول، فالكل مصريون -عدا من تورط فى دم أو فساد- وعلى الجميع التعاون من أجل إنقاذ الوطن.. رابعا: إعداد قوائم موحدة لخوض الانتخابات على مستوى مصر.
فهل تنجح المعارضة؟
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة