هل من الممكن أن يبيع رجال كالمستشارين حسام الغريانى وأحمد ومحمود مكى أنفسهم؟ وبأى منصب أو مكانة مهما علت يمكن أن يبادل أى منهم تاريخه وقد مضى من العمر أكثر مما تبقى؟ وأى منصب وأى مال وجاه ذلك الذى يوازى أو يفوق تاريخ هؤلاء الرجال فى النضال من أجل الاستقلال والحرية، وهل الثمن الذى سيحصلون عليه الآن أكبر مما كان يمكن أن يحصلوا عليه فى عهد مبارك إذا قبل أى منهم أن يتنازل عن موقفه؟
انهالت الاتهامات فى الفترة الأخيرة على الرجال الثلاثة الذين قادوا تيار استقلال القضاء فى عهد النظام البائد، وكاد كل منهم أن يدفع حياته ثمنا لهذا النضال بتحديه لهذا النظام فى أوج قوته وجبروته.
المستشار الغريانى ذلك القاضى الجليل الذى تخطى عمره السبعين، زعيم تيار استقلال القضاء وأول من أشهر كلمة الحق فى وجه السلطان الجائر فحكم ببطلان الانتخابات فى دائرة الزيتون دائرة زكريا عزمى أقوى رجال مبارك، رافضا كل محاولات التدخل لإعادة النظر فى الحكم، وأول من نظم وقفة احتجاجية عام 2006، وكان على استعداد للوقوف وحده فى وجه الظلم، اعتراضا على إحالة زميليه هشام البسطويسى ومحمود مكى إلى الصلاحية لاعتراضهما على تزوير الانتخابات، كما أنه كتب تقريرا عن تزوير الاستفتاء على تعديل المادة 76 التى أراد مبارك أن تكون أساسا لتوريث الحكم لابنه، كانت هذه هى مواقف المستشار الغريانى فى وجه نظام فاسد كان يمكن أن يمنح الكثير مقابل السكوت عن جرائمه ولكن الغريانى ورفاقه لم يكونوا ممن يبيعون أنفسهم فى وقت كان يمكن الحصول فيه على أعلى الأسعار من نظام يشترى كل شىء إلا ضمائر الشرفاء، ولا تقل مواقف المستشارين محمود مكى نائب رئيس الجمهورية، وأحمد مكى وزير العدل عن مواقف المستشار الغريانى وجميعهم يحاول البعض الآن اتهامهم بأنهم باعوا أنفسهم للإخوان.
قد نختلف أو نتفق حول مواقف المستشارين الثلاثة لكن ليس من الإنصاف أن يؤدى هذا الاختلاف إلى أن نلقى عليهم اتهامات لا تليق بتاريخهم.
بالفعل تولى كل منهم دورا فى ظل النظام الحالى، وفى وقت حرج يمثل المنصب عبأ ثقيلا يتنصل منه كل من يرفعون أصواتهم لانتقادهم.
تولى الغريانى رئاسة الجمعية التأسيسية وتحمل كل ما وجه إليه من انتقادات تخرج فى أحيان كثيرة عن حدود آداب الاختلاف وتصل إلى حد التجريح، رغم أن الرجل الذى اعتاد على مواجهة الظلم لا يمكن أن ينهى تاريخه بما يخالف قناعاته مهما اختلفنا مع هذه القناعات، حركه يقين بأنه يخدم مصر ويعمل لاستقرارها وأمانها، انتقد الإعلان الدستورى ورفض عرضا بأن يخوض الانتخابات المقبلة ليصبح رئيسا لمجلس الشعب القادم.
أما المستشار محمود مكى الذى أعلن استقالته عن منصب نائب الرئيس، مؤكدا أن تكوينه كقاض لا يتناسب مع طبيعة العمل السياسى، فتقدم بهذه الاستقالة أكثر من مرة ولم يهادن أو يحاول تبرير الإعلان الدستورى الذى أصدره الرئيس مرسى أثناء سفره، انتقده دون حرج وظل فى منصبه محاولا التقريب بين وجهات النظر المتصارعة وخلق حوار وطنى يخرج بمصر من حالة الانقسام والاستقطاب، ظل فى منصبه على مضض حتى يتم إقرار مشروع دستور ينهى بقاءه فى هذا المنصب الذى زهد فيه، فهل هؤلاء الرجال على استعداد لبيع تاريخهم ومواقفهم بأى ثمن؟
لمصلحة من يتم هذا التشويه المتعمد لكل الرموز والشرفاء، ولماذا نتعامل مع أى اختلاف فى الرأى بتخوين المخالفين لنا، إننا نحطم بأيدينا وألسنتنا كل الثوابت والرموز، فهناك من يتهم حمدين صباحى بأنه يعارض لأنه طامع فى الرئاسة، ومن يتهم البرادعى بالعمالة وأبو العلا ماضى ذلك الرجل الوسطى المعروف بنزاهته وحياده متهم بمهادنة الإخوان لمصالح خاصة، حتى إن هذه الاتهامات طالت شيخ الأزهر الذى اتهمه بعض الموتورين بأنه مرر بعض مواد الدستور مقابل عدم عزله من منصبه.
إذن فلنصدق أن الثوار يتلقون تمويلات، وأن الشعب المصرى بأكمله على استعداد لبيع نفسه؟ فأى حرب قذرة تلك التى تسعى لكى يفقد المواطن البسيط قدوته وثقته فى كل الرموز، وأن يصبح الجميع محل شك، واتهام وأن تصل إليه رسالة مفادها: " كلهم باعوا.. بيع يا وديع".
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة