أساء نقيب الصحفيين ممدوح الولى للصحافة والصحفيين بحضوره اجتماعات الجمعية التأسيسية للدستور، وضرب عرض الحائط بقرار الجمعية العمومية بالمقاطعة، وأساء لنفسه لقبوله سوء معاملة رئيس الجمعية المستشار الغريانى، عندما قاطعه قائلا "لو عرفت إنك ستتحدث فى هذا الموضوع- إلغاء الحبس فى قضايا النشر- ما أعطيتك الكلمة".. ولم تنطلِ مبرراته على أحد عندما ادعى أنه حضر الاجتماع بعد أن حصل على وعد بأن الجمعية التأسيسية ستلبى مطالب الصحفيين، ولم ينجز شيئاً سوى تعميق الانشقاق بين الصحفيين، مثلما هو الحال فى مصر كلها.
كان من المفترض أن ينزل النقيب على رغبة جموع الصحفيين ويوحد جمعهم ويلم شملهم ويقف فى صدارة صفوفهم، ويخوض معهم معركة الدفاع عن حرية الصحافة، ليس فقط ضد نصوص الدستور الجائرة، ولكن الأهم ضد أجواء العداء والكراهية والتحريض ضد الصحافة والصحفيين، وهذا أخطر بكثير من النصوص الدستورية التى مصيرها إلى زوال عاجلا أم آجلا، آما العداء والاستعداء فهو الخطر الداهم الذى يهدد الصحافة، ويعرض حياة الصحفيين وأمنهم الشخصى للخطر، بسبب الجموع الغاضبة التى تتوعد بضربهم وتصفيتهم وحبسهم ومطاردتهم فى أماكن عملهم.
لم يفعل النقيب هذا ولا ذاك وجر النقابة والصحفيين إلى حلبة الصراع السياسى الدائر فى المجتمع بين الإسلاميين والليبراليين، ونال بعض الصحفيين نصيباً وافراً من التهديد والوعيد والشتائم فى مظاهرات الإخوان والسلفيين بجانب إخوانهم الإعلاميين، وليس مستبعداً أن تتم محاصرة الصحف والفضائيات التى تخالفهم الرأى لا يرضون عنها، وإذا كان ذلك قد حدث مع المحكمة الدستورية العريقة، فما الذى يمنع تكرار سيناريو مشابه مع وسائل الإعلام، تحت شعار الحجة الكاذبة "الشعب يريد تطهير الإعلام"، والشعب برىء تماما من هذا الشعار المسلط على الرقاب، فقد وقفت الصحافة والإعلام فى ظهر الشعب تدافع عن حقوقه وتتبنى قضاياه، فأى شعب هذا الذى يريد تطهيرها ؟.
كل ما أخشاه أن نسمع نفس الهتاف الذى تردد أمام المحكمة الدستورية "إدينا الإشارة.. نجيبهملك فى شيكارة"، ويكون الدور على الصحفيين والإعلاميين، وفى ظل حالة التدهور الأمنى والاستقواء الدينى يمكن أن يحدث أى شىء ولا دية لأحد، فتهتز الأقلام وتحترق الأوراق وتخرس الألسنة ويسود الخوف، ونقرأ الفاتحة على روح حرية الصحافة، فلن تحميها المواد البائسة فى الدستور من الجحافل الغاضبة التى صنفت الناس إلى "مسلم" و"كافر"، والمؤكد أن الزملاء الأعزاء فى صدارة المطلوب إحضارهم فى الشكائر والأجولة الخيش.
كان من المفترض أن نحتمى بنقابة الصحفيين، ولا ننسى أن الرئيس السادات فى أوج غضبه وجبروته، قال عبارته الشهيرة لمعارضيه "من دخل نقابة الصحفيين فهو آمن" إجلالا لهذا المكان وإحترام له، وكانت الصحافة تحتمى بالشعب ضد غضب السلطة، أما الآن فتواجه غضب السلطة وجزء من الشعب، ووصلت المأساة ذروتها فى اجتماع الجمعية العمومية للصحفيين فى الأسبوع الماضى، ليس فقط بسبب المظهر السىء والعراك والشجار، ولكن لأن قادة الرأى والفكر فى البلاد فقدوا لغة الحوار ولجأوا إلى الشتائم والشجار.
كنت أتمنى أن تقف نقابة الصحفيين بنقيبها وصحفييها صفاً واحداً فى مواجهة تلك الهجمة غير المسبوقة، بنفس الروح العظيمة التى حدثت لمواجهة قانون إغتيال الصحافة فى النظام السابق، عندما انشقت الأرض عن آلاف الصحفيين الذين احتشدوا فى نقابتهم للدفاع عن حريتهم بأجسادهم وأرواحهم، ولم يجد نقيب الصحفيين فى ذلك الوقت إبراهيم نافع مفراً من الإنخراط فى صفوف الصحفيين وعدم الخروج على إجماعهم، وإن فعل غير ذلك كانت تطارده اللعنات والعار، فكل المناصب زائلة، وتبقى حرية الصحافة هى خط الدفاع القوى عن مصر والمصريين.