أنظر جيداً إلى ما تمر به مصر الآن، وأعلم أن التاريخ يقف مترقباً كل موقف وكل تصريح وكل بيان، وأعرف أن التاريخ له منظار خاص يسلطه على القضاء والقضاة، فالقضاء كما يقولون هو الضمانة الأساسية للعدالة، وهم الضامن الأول لعدم تغول السلطة التنفيذية على الشعب، وإن فسد القضاء فسدت الحياة، وإن صلح القضاء صلحت الحياة.
يجدر بنا الآن أن نحدق فى القضاء أكثر، وذلك بعدما شهدنا العديد من الانتهاكات الصارخة لهذا الكيان الذى من المفترض أن يكون مستقلا، وأنى مع كل هذه الظروف الملتبسة أشفق على قضاة مصر تمام الإشفاق، فمن المفترض ألا يتأثر هذا الكيان الكبير بتاريخه ومواقفه بسيف المعز ولا ذهبه، أما الآن فهم واقعون تحت تأثير سيف مرسى وذهبه فى آن واحد.
يفترض الضمير أن يكون القضاة مستقلين فى دفاعهم عن القانون والمجتمع، بدءا من نظرهم فى القضية مروراً بتداولها وصولاً إلى إصدار الحكم، على أن يلتزم المجتمع كله بأحكام القضاء وآراء المحكمة، وإن حدثت إعاقة ما فى أى مرحلة من هذه المراحل قصد بها انتهاك هذه السلطة المستقلة أو إجبارها على السير إلى ما يريده أحد الخصوم سقط استقلال القضاء وأصبح مطية لمن يعيقه ويسيره، ولا يقف هذا السقوط عند حد انهيار القضاء وإنما يتحول إلى انهيار تام للمجتمع بأسره، فسقوط القضاء تحت تأثير سيف المعز أو ذهبه يعنى أننا نهد الدولة على رؤوسنا، ذلك لأنه من البدهى أن القانون يصبح قانونا حينما يطبق على الكبير قبل الصغير، وإذا ما تحول القانون مطية تحت أفخاذ الكبير وسيفا على عنق الصغير سقط القانون وسقطت معه الدولة وأركانها.
نشهد الآن تلك النهاية، فالكبير يحشد أتباعه لحصار المحكمة الدستورية العليا، منعا لإصدار حكم قد يكون فى غير صالحه، تلك المحكمة التى أعلنت فوزه بانتخابات الرئاسة فأقسم أمامها على احترام الدستور والقانون، والكبير الآن يحصن نفسه من القانون والدستور ويضع نفسه وأتباعه فوق الجميع، والكبير الآن يتولى منصب شيخ القبيلة الذى يعادى كل من يخالفه مستخدماً سلطات عليا منحناها له، وهو الأمر الذى يجعل مجرد الحديث عن احترام القانون مزحة سخيفة تستحق أن نضحك منها حتى ننقلب على ظهورنا ميتين.
ولم يقف الأمر عند هذه البلطجة العلنية على القضاء وإرهاب القضاة، ولكنه تطرق أيضاً إلى محاولة إغرائهم بالأموال وشراء ضمائرهم بالمكافآت، بأن يعد وزير العدل كل من يشترك فى الإشراف على الانتخابات بمكافأة مجزية قدرها عشرون ألف جنيه، وما أن تسرب أمر هذا الوعد بذهب مرسى حتى لاحظنا تغيراً فى لهجة البعض، وامتلأ أتابع مرسى بالغرور والثقة كما لو أنهم على ثقة من أن القضاة سيقبلون بهذه الأموال وسيغيرون مواقفهم الرافضة للإشراف على الاستفتاء على مشروع دستور المرشد، الذى إن تم تمريره فسيحكم به على موت القضاء كما حكم مرسى من قبل بموت القانون.
لا أعرف الآن كيف ينظر قاض فى عين متهم يحكم عليه بالإدانة وهو يعلم أن أحكامه لا تنفذ على الصغير والكبير، ولا أعرف الآن ما هو مصير العدالة بعد اليوم لكن ما أعرفه جيداً أن دولة بلا قانون هى دولة إلى زوال، كما أعرف أيضا أن مصر باقية مهما تجبر الزائلون.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة