مفاجآت مفزعة بدأت فى التكشف عن كيفية إعداد مسودة الدستور الجديد وطريقة التصويت على موادها فى ليلة الخميس بما يؤكد عملية «السلق» السريع للوثيقة الأهم والأخطر التى تحكم علاقة المصريين بمؤسساتهم الرئاسية والقضائية والتنفيذية والإعلامية. بعض المواد تكشف عن منهج الحقد وتصفية الحسابات مع بعض المؤسسات والأحزاب السياسية، وهو ما يتناقض مع المبادئ العامة التى تحكم الدساتير فى العالم الحر وروح التسامح والتصالح والتوافق التى ترتكز عليها تلك الدساتير من أجل بناء دولة ديمقراطية يصونها ويحافظ عليها دستور لا يعبر إلا عن فكر تيار سياسى واحد يحمل فى أعماقه غلا وحقدا ضد الإعلام والقضاء ويرى أنهما عقبة كؤود فى طريق تحقيق مشروع الأخونة للاستحواذ على كل مؤسسات الدولة ومفاصلها.
الفقيه الدستورى الدكتور جابر جاد نصار فى برنامج «آخر الكلام» مع الزميل يسرى فودة فجّر واحدة من هذه المفاجآت عندما كشف أن المادة 48 الخاصة بحرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام لم يأت ذكرها فى مسودات الدستور السابقة وتم وضعها ليلة التصويت إياها دون مناقشتها فى اللجان وتم تمريرها فى حضور نقيب الصحفيين. وهى المادة التى أثارت إحباط الجماعة الصحفية وغضبها وفزعها بسبب وضع عبارات مطاطة وفضفاضة مثل «المقومات الأساسية للدولة والمجتمع» و«مقتضيات الأمن القومى» ولم تشر المادة إلى محددات المقومات والمقتضيات ومن سيقوم بتحديدها، إضافة –وهذا هو الأخطر- إلى أنه يحظر وقفها أو غلقها أو مصادرتها «إلا بحكم قضائى» وهو ما لم يتم النص عليه فى دستور 71 بما يمكن لأى شخص أو محامى مجهول أن يقيم دعوى قضائية بإغلاق صحيفة بأكملها لأنها لم تراع «مقومات الدولة والمجتمع» أو خالفت «مقتضيات الأمن القومى» لأنها نشرت مثلا خبرا عما يحدث فى سيناء من تقصير أمنى أو قيام إسرائيل بنشر محطات تجسس على الحدود المصرية أو غيرها من الأخبار التى يمكن أن تندرج تحت مسمى المقتضيات. بل ضاع كفاح الجماعة الصحفية ضد الحبس الذى ألغاه النظام السابق فى مسودة الدستور الجديد ولم ينص على عدم جواز الحبس فى قضايا النشر.
ويقينى أن الدستور الجديد بشكله الحالى لن يستمر طويلا مثلما فعل الشعب المصرى مع دستور إسماعيل صدقى فى عام 1930 وستكون الجماعة الصحفية فى مقدمة من ينادون بإسقاطه لنيل حريتها واستقلالها والتى هى جزء لا يتجزأ من حريات الشعب الذى طالب بها فى ثورة 25 يناير.