أن يُقتل خمسة مصريين، أربعة من الثوار وواحد من الإخوان، أمام قصر الرئاسة بمصر الجديدة، فهذا يعنى باختصار أن المسئول الأول عن إهراق دم هؤلاء المصريين هو السيد رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسى!
لماذا؟
لأنه لم يتخذ من التدابير، بحكم سلطاته الإلهية التى منحها لنفسه، ما يحول دون حدوث اشتباك بين الثوار وبين مؤيديه من تيارات الإسلام السياسى. الأمر الذى أدى إلى المأساة التى شاهدها العالم كله أمس الأربعاء 5/12/2012 على الفضائيات، حيث بلغ عدد المصابين أكثر من 446 شخصاً، غير الذين قضوا نحبهم!
أين تكمن المشكلة إذن؟ إنها فى عقلية من يحكم مصر الآن، تلك العقلية المتحجرة التى تتصف بها قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وأكرر قيادات الجماعة، التى تصدر الأوامر فينصاع لها شبابها المنظم دون تفكير ولا تدبير بكل أسف.
دعونا نعد إلى الوراء قليلاً لندرك كيف وصلت الأمور إلى أن يعتدى أعضاء الجماعة على متظاهرين مسالمين أمام القصر الرئاسى فيقتلون ويصيبون حتى يتطاير الدم ويلطخ ملابس السيد الرئيس الذى يتابع المشهد المأساوى من شرفة القصر ببرود أعصاب فاق برود وبلادة حسنى مبارك نفسه، باعتبار أن الرئيس المسجون حاليًا كان نموذجًا بائسًا للبلادة والعناد!
الكل يعرف أن الشباب المصرى العظيم هو أول من دعا وخرج فى 25 يناير 2011 ضد القهر والاستبداد والفقر، وقد تحمل هذا الشباب الشريف تبعات جسارته، فاستشهد منه أكثر من ألف وأصيب نحو 5000 من أصفى وأنقى شباب مصر. فى تلك اللحظة رفضت جماعة الإخوان دعوة الثوار إلى الخروج، فلما رأوا أن بقية الشعب انضم إلى ثورة الشباب بدأت الجماعة فى النزول إلى ميادين التحرير بدءًا من يوم جمعة الغضب 28 يناير، أى بعد اندلاع الثورة بثلاثة أيام.
أما التيار السلفى فظل رافضاً تمامًا أى خروج (على الحاكم) ومنددًا بالشباب والثوار حتى يوم السقوط الكبير لرأس النظام. والكل يذكر كيف كان مشايخ السلفيين يملأون قنوات التليفزيون الرسمية بكلامهم وفتاواهم التى تحرم الثورة وتدعو إلى طاعة ولى الأمر الذى هو حسنى مبارك آنذاك.
أظنك لم تنسَ أيضاً انتهازية قيادات الإخوان عندما هرولوا إلى التحاور مع عمر سليمان نائب الرئيس الذى كان يحاول إنقاذ نظامه بأية وسيلة، بينما كانت القوى الثورية الحقيقية ترفض تمامًا أى حوار مع النظام قبل أن يرحل الرئيس مبارك. فلما سقط رأس النظام وعصابته، وليس النظام كاملاً، وتولى المجلس العسكرى حكم البلاد، هرول الإخوان أيضاً إلى المجلس العسكرى وعقدت الصفقات المشبوهة بين الطرفين لأنهما يمثلان بشكل أو آخر الوجه البشع لنظام مبارك من حيث توجهاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
على أية حال.. نجحت قيادات الإخوان فى خطف السلطة السياسية نتيجة عوامل عدة، وتبوأ أحدهم أعلى منصب فى البلاد، وللحق فإن نجاحهم يعود إلى عوامل كثيرة أهمها: غياب شبه كامل لتنظيم ثورى قوى يتكون من فقراء هذا البلد وشرفائه من عمال وفلاحين وموظفين صغار ومثقفين محترمين. فى مقابل جماعة الإخوان التى تتسم بقدرات تنظيمية مستقرة وناجحة على مدى 84 عاماً (أسس الشيخ حسن البنا هذه الجماعة فى عام 1928)، فضلاً عن امتلاكها موارد مالية ضخمة لا يعرف مقدارها إلا الله والمرشد! أما النخبة السياسية اللامعة، فتفتقد للأسف مهارات العمل الجماعى، فنراها قد تفتت إلى عدة تنظيمات وأحزاب وتيارات، كما تفتقد وجود (زعيم) يتمتع بكاريزما ما تمكنه من الاستحواذ على ألباب الناس وأرواحهم.
وسط هذا المشهد المشوش خطفت الجماعة كرسى العرش، ووجد الدكتور محمد مرسى نفسه يجلس على الكرسى الذى جلس عليه قادة بوزن رمسيس الثانى وأحمس ومحمد على وجمال عبد الناصر، الأمر الذى أصابه بغرور قاتل. ولأن الجماعة تظن أنها الوكيل الوحيد لله، عز وجل، فى الأرض، ولأنها تعتقد أنها تمثل مصر كلها، وأن المصريين كلهم مؤمنون بها، وأنها الوحيدة التى تعرف الإسلام والقرآن، وأن الآخرين الذين لا يتفقون معها مجرد كفار وملاحدة إلا من رحم ربى، أقول لأنها تظن نفسها كل شىء، والباقون لا شىء، فقد تصرف مندوبها على عرش مصر باعتباره نصف إله، استغفر الله، فأصدر الإعلان الدستورى الذى يحصّن قراراته، ودعا إلى الاستفتاء على دستور مشبوه أقرته جمعية تأسيسية مشكلة من جماعته وأشقائها من تيارات سلفية، ضاربًا عرض الحائط بكل الاعتراضات والاحتجاجات التى تتوالى كل لحظة ضد إعلانه ودستوره!
هكذا وصلنا إلى لحظة الدم، ولأن من يحمون مصر الآن يفتقرون إلى الحكمة والوعى السياسى، نظرًا لأنهم لم يقرأوا التاريخ، ولم يفهموا المزاج النفسى لغالبية المصريين، فقد اتخذوا قرارات مجنونة عززت الانقسام بين القوى الثورية والتيارات الدينية داخل البلد (لقد قامت الحكومة بزيادة سعر الكهرباء والبنزين والغاز قبل ثلاثاء الإنذار الأخير فى خطوة تتسم بالعمى السياسى). ولأن السيد الرئيس لم يطالع تاريخ الثورات فى مصر والعالم، لم يستطع أن يقرأ الأحداث التى تتوالى والاعتراضات التى تترى من قبل غالبية الشعب وعلى رأسهم القضاة ورجال النيابة والأحزاب المدنية وملايين البسطاء الذين لم يشعروا بأى تحسن فى معيشتهم على الرغم من خطف الإخوان للسلطة منذ أكثر من خمسة أشهر!
المثير أن الرئيس قرر أخيرًا التحدث اليوم بعد أن سالت دماء المصريين أمام قصره المنيف، أى أنه اتبع سُنة سلفه عندما كان يتأخر فى ردود أفعاله، ولأنى لا أعرف ماذا سيقول الرئيس، فقط أرجوه أن يمسح دم المصريين من فوق ملابسه!
عدد الردود 0
بواسطة:
جمال عبد الناصر
لو لم تقل الرئيس
عدد الردود 0
بواسطة:
Mahmoud
رائع
تحليل رائع فعلا
عدد الردود 0
بواسطة:
عبدالله القزاز
الله ينور عليك ... مقال اكثر من رائع واكثر من محترم
عدد الردود 0
بواسطة:
لورا
lممتاز ممتاز