أولا: مرسى وجماعته يفقدون كل يوم شرعيتهم وتأثيرهم فى الناس، فاللغة المزدوجة والأكاذيب التى يروجون لها لا تقنع إنسانا عاقلا، وتذكر بنفس أكاذيب مبارك وإعلامه، فهناك مؤامرة.. وتمويل داخلى وخارجى.. والدولة فى خطر.. والإهمال فى حماية المعتصمين والمتظاهرين وتعريضهم للقتل والإصابة، وحتى حرق مقرات الحرية والعدالة -أدينه تماما- يتشابه مع حرق مقرات الحزب الوطنى.. كل هذه وغيرها مظاهر تذكر بالأيام الأخيرة لحكم مبارك.
ثانيا: أهم مظاهر التشابه هى البطء فى فهم أبعاد الأزمة، والبطء فى ردود الأفعال، والعناد، وإضاعة الفرص، مما أنتج خللا فادحا فى إدراك الواقع، وتقدير رد فعل الشارع على الإعلان الدستورى الذى يؤسس لمستبد جديد بمرجعية إسلامية، ثم تجسد البطء مع إضاعة الفرص فى كلمة الرئيس الخميس الماضى، فالرجل لم يتنازل وتحدث عن المؤامرات والخروج عن الشرعية بأكثر ما تحدث عن الحل، ولم يقدم مبادرة حقيقية، ولم يدع كل أطراف الأزمة للحوار، كما أن الحوار ليس له جدول أعمال محدد باستثناء إمكانية التنازل عن المادة السادسة فقط، مع التأكيد على إجراء الاستفتاء فى موعده، أى أن مرسى يريد باختصار كسب الوقت لتمرير الدستور المعيب والذى أصدرته جمعية تأسيسية لا تمثل الشعب، ولم يحدث توافق حوله.
ثالثا: يستعمل الرئيس وجماعته الديمقراطية بطريقة انتقائية وبرجماتية لتحقيق مصالحهما، حيث يحصران الديمقراطية فى الانتخابات والاستفتاءات والتصويت، وقد صدع شيوخ الجهالة والتكفير الناس بضرورة احترام نتائج الصندوق، لكنهم لم يتحدثوا عن الأبعاد الأخرى فى العملية الديمقراطية، وفى مقدمتها احترام الأقلية وتوفير الحريات وضمان مناخ أمان، ووقت كاف لإجراء نقاش عام قبل الاستفتاء وهى أمور لا يمكن توافرها فى مناخ التوتر والانقسام الذى نعيشه.
رابعا: لا يفهم شيوخ الجهالة – بعضهم يصف الديمقراطية بالكفرية – أن الدساتير تصنع بالتوافق وليس بالتصويت، وشراء الأصوات والذمم، وأن تمرير الدستور لن يؤدى إلى الاستقرار، بل إلى مزيد من التوتر وتعميق انقسام المجتمع، والأخطر أن هؤلاء يستخدمون المساجد لتخويف الناس من رفض الدستور، فمن يقول «لا» يعتبر «خارج عن الإسلام وكافر!!» وهذا غير صحيح، فلا دخل للكفر والإيمان فى الموافقه أو رفض الدستور.
خامسا: رغم كل مظاهر التشابه بين أخطاء مرسى ومبارك، فإن التاريخ لا يكرر نفسه وما يزال مرسى أول رئيس مدنى منتخب، صحيح أن مرسى تآكلت شرعيته بعد الدماء التى سقطت أمام القصر الرئاسى، لكن ما زال أمامه فرصة أخيرة، يتحرر فيها من التبعية لجماعته، ومن قراراتها الخاطئة التى تعمق انقسام الوطن وتفتح المجال لحروب أهلية.
سادسا: الفرصة الأخيرة أمام مرسى أن يتحرر من جماعته ومن تبعية قراره للجمود الفكرى والسياسى لمكتب الإرشاد، وأن يتخذ قرارات سريعة وفورية للحد من التوتر والانقسام فى المجتمع، فى مقدمتها وقف العمل بالإعلان الدستورى، وتأجيل الاستفتاء، والدخول فى حوار جاد مع المعارضة وأطياف المجتمع لمراجعة وتعديل مسودة الدستور بما يكفل التوافق وليس مجرد المغالبة. أعتقد أن هذه القرارات تنقذ مصر، وتساعد الرئيس كما تساعد جماعته التى أصبحت تقف فى مواجهة مع نصف المجتمع.
سابعا: قناعتى أن الانقسام والاستقطاب القائم أصلا فى المجتمع تعمق نتيجة سوء الإدارة من الرئيس وجماعته، وبالتالى وصلنا لوضع لا يمكن فيه للقوى الإسلامية الانفراد والهيمنة وتهميش المعارضة، ولا يمكن أيضا أن تنجح القوى المدنية والإسلاميون الديمقراطيون فى الإطاحة بالإخوان والسلفيين، ولا بديل عن الحوار والتوافق والعمل المشترك بين المعسكرين أو النصفين المنقسمين لأنهما ببساطة هما الوطن، ولا يمكن تجزئته أو تركه نهبا لأزمات وحروب استنزاف طويلة لن يستفيد منها سوى أعداء مصر.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة