قبل سنة من الآن، كنا نقف فى الميدان نهتف: يسقط يسقط حسنى مبارك، ننتظر لحظة الفرج، نتابع أصدقاءنا الذين ذهبوا إلى محاصرة قصر الرئاسة، والآخرين الذين ذهبوا لمحاصرة مبنى اتحاد الإذاعة والتليفزيون، العين على الميدان، والقلب معلق بالفضائيات والمواقع الإخبارية، كنا لا نعرف ماذا يدور فى الغرف المغلقة، ولا نعرف ماذا يحاك من مؤامرات ودسائس، لكننا لم نكن لنهتم برد الفعل لأن الميدان كان الفعل ذاته، قبلها بقليل كان الشارع منقسما حيال تنحى مبارك، مثلما هو الآن منقسما حيال دعوات الإضراب والعصيان المدنى.
كانت كلمة «منكم لله خربتو البلد» حاضرة وبقوة، وكان البعض يقول «عايزين إيه تانى؟ ماهو عمل كل اللى كنتوا عايزينه» كانت الأغلبية تعرف أن مبارك طاغية، وأن زبانيته فاسدون، وأن السوس ينخر فى جسد الدولة، لكنها كعادتها كانت لا تجرؤ على لوم الجانى، مستسهلة الضحية، وما هى إلا ساعات حتى ظهر الفيديو الشهير الذى يعلن فيه عمر سليمان عن تخليه عن رئاسة الجمهورية، وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد، فانقلبت هذه الأغلبية الساكتة إلى أغلبية ثورية!
أتت الملايين إلى ميدان التحرير لتحتفل، ووقتها تبدلت مشاعرى، وارتبكت، لم أعرف هل أفرح على ما أنجزناه، أم أحزن على هذا المشهد الهزلى؟ أقسمت للعديد من الأصدقاء أن أكثر من %90 من الموجودين فى الميدان الآن يحتفلون كانوا ضد الثورة، وما هى إلا لحظات حتى ارتكبت أول حالة تحرش بالميدان، وصارت فضيحتنا فى الصحف العالمية «بجلاجل» ثم تركنا الميدان بعد أن أيقنا أنه لم يعد لنا.
فضلت أغلبية الثوار أن تترك الميدان وتعود إلى حياتها التى توقفت 18 يوما، وكانت هناك أقلية أقل من القليلة فى الميدان لا تريد أن تتركه، غير أن هذه الأقلية هى الأخرى كانت منقسمة إلى فريقين، الأول من الليبراليين واليساريين ويرى أن ولاء المجلس العسكرى لمبارك، ولذلك لابد ألا نترك الساحة له وحده، والثانى وكان من الإخوان المسلمين وكانوا يريدون بعض المطالب الخاصة بهم مثل الإفراج عن المعتقلين وإلغاء المحاكمات العسكرية التى أجريت لبعضهم، وقال أحدهم بعد نقاش طويل: بصراحة لن نترك الميدان إلى بعد الإفراج عن خيرت الشاطر.
لو عاد بنا الزمان فمن المؤكد أننا لم نكن لنترك الميدان إلا بعد تشكيل مجلس رئاسى مدنى يتولى زمام المسؤولية، وكان ذلك كفيلا بتجنب الكثير من العقبات والنكسات التى مررنا بها، ولما احتجنا أن نخسر عشرات الشهداء الأبرار فى الصراع مع المجلس العسكرى القاتل، لكن ها هو ذلك اليوم يعود بعد سنة من الأشغال الشاقة المحببة، لنقف فى نفس المكان هاتفين ضد المجلس العسكرى: يسقط يسقط حكم العسكر.