أكتب هذه السطور قبل يوم من ذكرى مرور عام على خلع مبارك، والذى تحول فى بعض وسائل الإعلام الخاص إلى إضراب مشروع ومطلوب لاستكمال الثورة، بينما تحول فى الإعلام الحكومى إلى عصيان مدنى مرفوض سياسيا ودينيا، بل وصل الأمر إلى تخويف الناس من الإضراب وتخوين المشاركين فيه، لأنه يضر بالاقتصاد ويعطل مصالح الناس، ويصب فى مصلحة المؤامرات الخارجية التى تستهدف إسقاط مصر الدولة والشعب.
باختصار عشنا الأسبوع الماضى فى استقطاب مريب بين الإعلام الخاص والحكومى حول الإضراب، وللأسف سقط الطرفان فى امتحان المهنية والأمانة والدقة والتوازن فى عرض الأخبار والآراء، فبعض الإعلام الخاص أبدى تأييده للإضراب، لكنه عرض فقط للجهات التى ستشارك فى الإضراب مع توضيح الفروق بين الإضراب والعصيان المدنى، ولم يشر إلى الهيئات والأحزاب التى لن تشارك فى الإضراب. فى المقابل شن الإعلام الحكومى حملة هائلة ضد الدعوة للإضراب والعصيان المدنى، ولم يفرق بينهما، وتجاهل الهيئات والأحزاب التى أعلنت مشاركتها، وركز فقط على الرافضين للإضراب والاعتصام.
والحقيقة أن الإعلام الحكومى كان أكثر اهتماما من الإعلام الخاص بالموضوع، وكان أسبق فى حملته وأكثر إلحاحا وسذاجة فى تناوله للدعوة للإضراب ومواقف الأطراف المختلفة، فالإعلام الحكومى منح الحدث أهمية أكبر مما تستحق، وقدم نموذجا لكيف يشعل الإعلام الأزمات، بدلا من أن يعمل على معالجتها والقضاء عليها، وكان الإعلام الحكومى قد فعلها فى إضراب 6 أبريل 2008 حيث بالغ فى تحذير الناس وزرع الخوف فى نفوسهم، فلم يخرجوا من بيوتهم، وهكذا نجح الإضراب جزئيا.
توسع الإعلام الحكومى بدون مبرر فى تحذير الناس من مخاطر الإضراب العام، وعرض بشكل مكثف وفى إلحاح لرفض الأزهر والمفتى والكنيسة وبعض الأحزاب والنقابات لفكرة الإضراب، مما أدى بصورة غير مباشرة إلى نقل الدعوة إلى قطاعات واسعة من الرأى العام لم تكن تعرف شيئا عن الإضراب، ونظرا لأنه نقل موضوع الإضراب بشكل متحيز ومن وجهة نظر واحدة وبلغة فيها تحذير وتخوين للمشاركين، فقد تولد لدى قطاع واسع من الرأى العام مشاعر بالخوف والفزع من احتمال وقوع أعمال عنف، وقام كثير منهم بتخزين مواد غذائية وقرروا البقاء فى منازلهم أمس السبت وهو إجازة رسمية.
طبعا سنقول إن الإعلام الحكومى عبدالمأمور، وينفذ تعليمات، وهذا صحيح، وبالتالى فالمشكلة تقع على عاتق المجلس العسكرى الذى تعامل بخوف وارتباك مع الدعوة للإضراب أو الاعتصام، حتى أنه حرص على تأمين الجيش والشرطة للمطار استعدادا للعصيان المدنى، رغم أنه لا علاقة بين الإضراب أو الاعتصام والمطار، ولم يقترح دعاة الإضراب حصار المطار أو اقتحامه أو حتى الذهاب إليه. لكنها عقلية المجلس العسكرى المحدودة ومنهجه الأمنى القاصر فى التعامل مع ممارسات سياسية عادية فى ظل الحياة الديمقراطية كالدعوة للإضراب.. وأعتقد أن الداعين للإضراب ما كانوا يحلمون أو يتوقعون كل هذا الاهتمام والانتشار لدعوتهم والتى جاءت نتيجة لسوء إدارك وتعامل المجلس العسكرى والإعلام الحكومى، أقول إن الدعوة السلمية للإضراب هى حق تكفله الممارسة الديمقراطية، فإذا استجاب لها بعض المواطنين فهذا حقهم تماما، ولا يجب اتهامهم بالعمالة. أما إذا شارك فيها أغلبية المصريين - وهو أمر مستبعد - فإن على المجلس العسكرى وحكومة الجنزورى أن يرحلا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة