بعد عام على الثورة.. لم تحصل الثورة على العلامات الكاملة، ربما لأنها لم تجتهد ولم تذاكر كويس، وربما لأن المصحح ومراقب هذا الامتحان لم يكن منصفا ولم يوفر الأجواء المناسبة لنجاح ثورة وانتقالها من مرحلة التظاهر إلى مرحلة البناء.
بعد عام من رحيل مبارك.. لم يختف مبارك بل تلبس أرواح أهل المجلس العسكرى والكثير من أهل التيارات والحركات الثورية.
الشىء الوحيد الذى تغير بعد مرور عام على الثورة أن المصريين لم يظلوا على حالهم «إيد واحدة» كما كانوا فى الميدان، المصريون اليوم يشتبكون فى الشوارع بالألفاظ والأيدى واتهامات التخوين والعمال لأن هؤلاء مع العسكر وهؤلاء ضد العسكر، فهل يمكن أن نبنى دولة بسواعد تريد كل منها أن تقطع الأخرى لا أن تساندها؟!
دولة البشر فى مصر خضعت للتقسيم الإجبارى وتحولت إلى ثلاث دويلات، الأولى تضم الخائفين.. هؤلاء الذين نجحوا فى إخافتهم من البلطجة والانفلات الأمنى والجوع القادم فخرجوا ينادون بأنه كفاية مظاهرات ولنجلس فى بيوتنا وندع أهل الحكم يتصرفون، والثانية دولة أصحاب المصالح.. هؤلاء المتحولون الذين أغرتهم المكاسب السريعة فتركوا مواقعهم فوق الجبل وهرولوا نحو الغنائم، أما الدولة الثالثة فهى للمحبطين.. هؤلاء الحالمون المحاصرون بالاتهامات والمصطلحات الشهيرة مافيش فايدة، وليس فى الإمكان أبدع مما كان، والشعب المصرى غير مؤهل للديمقراطية والصبر، «إنتم مستعجلين على إيه»، وغيرها من الكلمات التى أصبح استخدامها مكرراً فى وسائل الإعلام وعلى لسان السادة المسؤولين كلما وجدوا شبابا متحمساً أو جماعة أو تياراً سياسياً يضع خططا طموحة ويطلب توقيتات زمنية ووعوداً صريحة بالتنفيذ، هذه هى الخطة الحقيقية لتقسيم مصر.. تقسيمها بشرياً وليس جغرافياً، وتقسيم البشر لو تعلمون أقسى وأخطر لأن معه تبدأ حرب جديدة من الكراهية والتخوين، حرب بدأت نارها حينما تخيل كل طرف من الأطراف الثلاثة أنه أشرف وأطهر وأكثر وطنية من الطرف الآخر.. حينما تخيل شباب الثورة أن حديث المواطن العادى عن عجلة الإنتاج والاستقرار فعل من أفعال العيب، وحينما تخيل المواطن العادى أن حديث بعض شباب الثورة عن ضرورة تسليم السلطة وضرورة تحقيق مطالب الثورة كاملة مؤامرة على مصر، وحينما اتخذ المتحولون وأصحاب المصالح من ذلك الصراع المبنى على سوء تفاهم وتواصل، طريقا لتحقيق المكاسب وهدم الثورة نفسها.
قد يبدو الكلام السابق حديثاً رومانسياً لا يعبر عن حالة الانقسام التى خلقها العصيان المدنى والمناوشات التى يحتضنها مجلس الشعب التى تدور جلساته كما تدور الأحداث داخل فصول المدارس الابتدائية، وقد يبدو لك الكلام عاطفيا فى الوقت الذى أصبحت فيه هتافات التخوين ورفع الأحذية هى لغة الخطاب بين قطاعات الشعب المختلفة، ولكن يبدو لى هذا الكلام الآن ضرورياً حتى نتذكر جميعاً أن ثورة مازالت تحبو فى حاجة إلى التكاتف لكى تقوى على السير، وأن مدافع الكراهية والتخوين واحتكار مصلحة وحب الوطن التى تغذيها وسائل الإعلام والمتعصبون من أهل الائتلافات الثورية والحركات السياسية والجهلاء من المنافقين وأصحاب المصالح، لن تنزل دانتها ولا قذائفها ولا خرابها سوى على رأس هذا الوطن بالخراب.
تذكروا ياسادة أن عاماً مضى ولم يتحقق شىء، تذكروا أن المجموع الذى حققته الثورة حتى الآن لا يؤهلها لعبور النفق المظلم الذى تسير فيه، تذكروا ذلك جيداً حتى لا نفاجأ جميعا بـ«كحكة حمراء» كتلك التى كان يحصل عليها الراسبون فى المدارس.. تذكروا وأخلصوا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة