منال العيسوى

جلال عامر.. صديقى الذى مات ضاحكا

الأحد، 12 فبراير 2012 10:03 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
وداعا صديقى الذى رسمت البسمة على شفاه الجميع بكلماتك الساخرة، كنت تضيف للحياة بريقا مختلف حين كنت تسخر من كل الأشياء، والآن يسخر الموت منا بأخذك، ونحن فى أشد الحاجة لوجودك بيننا لتهون علينا وطأة الواقع المرير الذى كان يذوب بين كلماتك ويتحول لابتسامة.

هل قتلتك حقا الحسرة على ما وصل له حالنا، هل حقا سقطت ياصديقى، وتجمد الدم فى قلبك الذى عشق تراب الوطن، هل كانت صرختك الأخيرة أثناء رؤيتك للاشتباكات بين أبناء مدينتك الإسكندرية، باب دخول لملك الموت، كنت تقول لن أموت إلا لو أردت، فالموت يطارد الضعفاء فقط، هل أصاب قلبك الوهن والحزن، هل قتلك من لا يقرأون كلماتك، بأنه ولا بد أن يكون بكرة أحسن.

إن كان قتلك مشهد الاشتباكات بين أبناء الوطن الواحد فدمك فى رقبتهم ، دمك الذى رفض السريان فى أوردة قلبك حين أحس لبرهة من الوقت، أن مصر تضيع من بين أبنائها، دمك فى رقبة من يجلسون وراء الكاميرات، ومن يجلسون على المقاعد، ومن يجلسون فى طرة، دمك فى رقبة كل من سمح لقتل الوطن بيد أبنائه، دمك فى رقبة من تقاولوا على قتل الوطن، وقتل أحبائه الحقيقيين.
أ
يا صديقى سنوات لم تر عينى لكن كلماتك دائما كانت ترافقنى، ومواقفك وطريقتك فى التعامل مع الاشياء والمفردات، فما أحلى سنوات عملنا فيها سويا كفريق، أنا وأنت والدكتور احمد الحصرى، فى جريدة التجمع التى كانت تصدر عن حزب التجمع بالاسكندرية، سنوات كنت أراك تسخر من كل الأشياء، وحين تبخل عليك المواقف بالسخرية منها كنت تسخر من ذاتك، وتضحك ونضحك سويا، ثلاثة كنت أصغركم .

هل الآن يسخر منا القدر حين يسلبنا أجمل ما فينا، حين يسلبنا القلب الطاه ، والثغر الباسم، هل يستكثر علينا الوطن الجاحد، الآن حتى الكلمات الضاحكة، يا له من وطن تضيع فيه البسمة ونقف عاجزين ، مكبلين بالخوف والقهر والحزن، ياصديقى لا أعرف لماذا أصابتنى البرودة، وأنا اكتبك ، ربما تسرب لى إحساسك وأنت تصرخ، وكأنك تصرخ فينا جميعا، لا أعرف ماذا أكتب عنك، لأنى مهما كتبت لن تقرأ ما أكتبه، لن ترسل لى تعليقك على ايميلى كما كنت تفعل حين أكتب لن تفعل الآن يا صديقى، وسيبقى صديقك الاسكندرانى وحيدا، وسأبقى أنا هنا فى القاهرة الباردة، لكن الإسكندرية والقاهرة جزء من الوطن الأم مصر فصارت باردة يسكنها العواء والحزن.

أتذكر جيدا آخر مقال قرأته لك " بكرة أحسن " حين كنت تقول يستطيع الإنسان أن يعيش بدون ماء عدة أيام وبدون طعام عدة أسابيع، وبدون دستور عدة سنوات، لذلك سوف يعمل الرئيس الجديد بدون دستور، ولكن بعقد مؤقت، وسوف تتفتح الورود وتتحقق الوعود، وسوف يعبر الشعب المُحال بأفضل مما عبر الجيش القنال، وبعد خمسين سنة سوف تستضيف الزميلة لميس الحديدى الباعة الجائلين ليحكوا عن أسرار وأسعار الثورة، فالثورات تكمل بعضها، ففى يناير 1977 هتفنا لـ«اللحمة بدون عيش»، وفى يناير 2012، هتفنا لـ«العيش بدون لحمة». وبمجيىء الرئيس الجديد سوف يعود الاستقرار والاستثمار، ويعود الجيش إلى «الثكنات»، ويعود الشعب إلى «المسكنات»، ويُعيَّن مبارك مديراً للمركز الطبى، لكن الحياة سوف تصبح أفضل وأجمل (قارن بين صور المرشحين والصور المرسومة على علب السجاير).

اشتقت إليك ياصديقى لكنى كنت أراك يوميا فى مقالك بالمصرى اليوم، ولم أنسى فرحتى حين قرأت مطوية معرض الكتاب بأرض المعارض فى مدينة نصر وأنت تدير فيها ندوة يوم الاثنين قبل الماضى، فأرسلت لك السلام مع زوجى وطلبت منه أن يأتى بك لزيارتى، فمنعنى عن رؤيتك إصابتى بحادثة أقعدتنى طريحة الفراش ، ياله من إحساس بالعجز، هل لو كنت رأيتك كان الألم سيزول مع أول تعليق منك ، هل كنت ستجبرنى على ترك الفراش ، ليتك فعلت وليتنى، الآن لن يوجد تليفون أو صديق يحمل رسائلى إليك، فالموت هزم الحياة فينا، أيا صديقى ربما نلتقى قريبا، ربما.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة